أربعة معطيات طبعت نهاية الأسبوع الفائت، منها ما هو محلي، ومنها ما هو خارجي إقليمي. وهذه المعطيات يمكن إدراجها في خانة الإيجابيات، التي يمكن أن تؤدّي إلى حلحلة معينة في الملف الرئاسي، وإن كان الحل – المخرج لا يزال بعيد المنال، باعتبار أن الوقت كفيل بتبريد الأجواء الداخلية، على رغم موجة الحرّ الشديدة، التي تلفح لبنان ودول المنطقة.
وهذه المعطيات – المؤشرات يمكن التأسيس عليها لتبيان الخيط الرئاسي الأبيض من الخيط الأسود، مع ما يمكن أن يستجدّ من تطورات ومفاجآت على الطريق المؤدّي إلى الحل، الذي لا بدّ منه في نهاية المطاف، خصوصًا أن جميع الأطراف باتوا على يقين من أن هذا الحل لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توافق ما، وبضمانات أكيدة قد يمكن أن يؤّمنها الرئيس العتيد، الذي يُرّجح أن يلاقي انتخابه في هذه الظروف الصعبة شبه اجماع وطني.
ومن بين أهم هذه المعطيات البيان الذي أصدرته مجموعة الدول الخمس، والتي حثّت فيه القوى السياسية اللبنانية إلى مقاربة الملف الرئاسي استنادا إلى الحل المتكامل، الذي تشكّل الانتخابات الرئاسية جزءًا أساسيًا لهذا الحلّ، الذي يقارب مشاكل لبنان الاقتصادية من جوانبها كافة.
أمّا ثاني هذه المعطيات فهو ما يُحكى عن إمكانية انضمام إيران إلى اللجنة الخماسية، مع ما يعني هذا الانضمام من توجّه لدى أعضاء اللجنة، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية، إلى تثمير الأجواء الإيجابية التي ترافق المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي في إنضاج حلّ وسطي للملف الرئاسي في لبنان من ضمن صفقة متكاملة للمنطقة، إضافة إلى ما يرافق العلاقات السعودية – الإيرانية من تطورات يرى بعض المحللين السياسيين أنه لا بدّ من أن تنعكس على الوضع اللبناني، وإن طال إنضاج الملف الرئاسي بعض الوقت.
أما المعطى الداخلي فتمثّل بتوافق من دون ميعاد بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، اللذين التقيا، كلٌ على طريقته، على دعوة النواب إلى النزول إلى ساحة المعركة الرئاسية وانتخاب رئيس في جلسات متتالية. وهذا يعني في السياسة أن باسيل لا يزال يناور من أجل تحقيق المكاسب، التي يمكن أن تعوّض عليه مقابل تخلّيه عن الكرسي الرئاسي، الذي لا يزال يعتبره حقًّا طبيعيًا له، وذلك من خلال سياسة “اجر في الفلاحة وأخرى في البور”.
ولكن بعض المتفائلين في قوى “المعارضة” يرون أن باسيل يرى نفسه مجبرًا على أن يبقى في صفوف “المعارضة”، ولو بتباينات واضحة في المواقف من مختلف القضايا المطروحة، لأنه لا يزال يرفض فكرة “هضم” تفضيل “حزب الله” الوزير السابق سليمان فرنجية عليه في السباق الرئاسي.
أمّا المعطى السياسي الآخر فهو محاولة “حزب الله” استمالة بعض نواب “التغيير”، وذلك من خلال سياسة الانفتاح الظاهري، والتي أرسى قواعدها أمينه العام السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة، حيث أكد أن “الحزب” لن يستخدم فائض قوته لفرض أي خيار سياسي على الآخرين. وهو أمر يرى فيه بعض نواب “التغيير” ما يمكن التأسيس عليه للمرحلة المقبلة، من دون أن يعني ذلك الذهاب في الخيارات الكبرى إلى التسليم كليًا بما يسعى إليه “الحزب”، مع ترك هامش واسع للمناورة في الخيارات الرئاسية، خصوصًا أن النواب، الذين تقاطعوا من دون توافق مسبق في ما بينهم على رفض مرشحي “الممانعة” و”المعارضة”، لا يزالون “ضائعين”، ولا يزال اللون الرمادي يستهويهم أكثر من اللونين الأبيض والأسود.
فهل يمكن اعتبار انفتاح “حزب الله” على بعض النواب “التغييريين” أنه بدأ يقتنع بأنه حان وقت النزول عن الشجرة الرئاسية، في ضوء تلويح الدول الخمس بفرض عقوبات على معرقلي هذا الانتخاب.