قراءات متباينة لاجتماع الدوحة.. سلبيّات خلف العموميّات؟!

20 يوليو 2023
قراءات متباينة لاجتماع الدوحة.. سلبيّات خلف العموميّات؟!


بخلاف ما كان متوقّعًا، لم يُحدِث اجتماع المجموعة الخماسية بشأن لبنان الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، وضمّ ممثلين عن كل من مصر وفرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة، “الخرق المنتظَر” في الملف الرئاسي، كما أنّه لم يخرج بتوصية واضحة وصريحة بإطلاق الحوار بين اللبنانيين من أجل التفاهم على سبُل إنهاء الشغور الرئاسي، كما كانت تدفع فرنسا عبر ممثلها جان إيف لودريان، المنتظَرة عودته إلى بيروت الاسبوع المقبل.

 
في البيان الختامي الذي أصدروه بعد اجتماعهم، ربط ممثلو الدول الخمس بين الحاجة الملحّة للتعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، مكتفين بتفنيد “مواصفات” الرئيس العتيد، بحيث يجسد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، من دون أن يغوصوا عمليًا في الأسماء، رغم بعض التسريبات التي تحدّثت عن التداول ببعضها، كاسم قائد الجيش العماد جوزيف عون.
 
وفيما أكّد البيان الختامي لاجتماع الدوحة على “الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله”، لوّح ممثلو الدول الخمس بـ”اتخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا المجال”، من دون تسميتهم صراحةً، في نقطة بدا التعاطي معها على مستوى الداخل “إشكاليًا”، وفتح الباب أمام قراءات “متباينة” لمخرجات الاجتماع، فهل خيّب “أصدقاء لبنان” المُفترَضون الآمال والرهانات عليهم؟ وهل تنطوي “العموميات” التي كرّسها بيانهم “سلبيّات” ولو بقيت مستورة؟
 
لا خرق يُذكَر
 بعيدًا عن تقييم اجتماع الدوحة إيجابًا أو سلبًا، ثمّة من يرى في مخرجاته “رمادية” لا تقدّم ولا تؤخّر، ما يعني أنّ ما بعده هو تمامًا كما قبله، إذ إنّ الاجتماع بحدّ ذاته لم يحقّق أيّ “خرق”، بل لم يهيئ الأرضية لأيّ تغيير عمليّ، بدليل أنّ ممثلي الدول الخمس لا يزالون “عالقين” عند نقطة “مواصفات الرئيس”، رغم مرور أكثر من تسعة أشهر على الفراغ الرئاسي، وبالتالي فإنّ المقاربة لا تزال نفسه، مع التركيز على الإصلاحات المطلوبة في مرحلة ما بعد الانتخاب.
 
ولعلّ ما فاجأ كثيرين في مقاربة اجتماع الدوحة، يكمن في أنّ عبارة “حوار” لم تَرِد بالمطلق في البيان الختامي، بعدما كان متوقّعًا أن “يفوّض” المجتمعون الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بتسريع الخطى باتجاهه، بعد جولته “الاستطلاعية” في بيروت، التي أنهاها بتعهّد بـ”تسهيل” مثل هذا الحوار، حيث كان يُعتقَد أنّ “غطاء” الدول الخمس له من شأنه أن يوفّر له سبل النجاح، ويغيّر من رأي “المتردّدين والمتحفظين”، وهو ما لم يحصل.
 
وفي حين ثمّة من يعزو الأمر إلى وجود “تباين” بين ممثلي الدول الخمس على مقاربة الحوار، وسط مخاوف وهواجس من وجود مخططات لطرح النظام برمّته على الطاولة، في حين أنّ الدستور واضح، وقد وردت إشارة إليه في متن البيان الختامي، تباينت القراءات حول “التلويح بإجراءات” ضدّ من يعرقلون إنجاز الاستحقاق، بين من وضعها في خانة “حثّ” القوى السياسية على إنهاء الفراغ، ومن رأى فيها ضغطًا خارجيًا لا يمكن السكوت عليه.
 
المشكلة في الرهانات
 في مقابل هذه القراءات، التي تتفاوت في تشخيصها للاجتماع بين “الرمادية” و”السلبية”، يقول العارفون إنّ الأجواء الحقيقية للاجتماع مغايرة تمامًا، إذ إنّ معظم التسريبات تقاطعت على وصفها بالإيجابية والودية والبنّاءة، علمًا أنّ مجرد صدور بيان عن الاجتماع قد يكون مؤشرًا جيدًا وطيّبًا، ولعلّ ذلك يتجلى في الرسالة الأساسيّة التي أرادت الدول الخمس إيصالها قوامها أنّ لبنان ليس متروكًا، وأنّه لا يزال في سلّم أولويات الدول الكبرى واهتماماتها.
 
برأي هؤلاء، فإنّ المشكلة الفعلية التي قد تكون السبب في الأجواء “السلبية” التي أحاط البعض الاجتماع بها، تكمن في “الرهانات المضخّمة” التي سبقت التئامه، في حين أنّ موقف المجتمع الدولي واضح منذ اليوم الأول، وهو ليس جاهزًا للحلول مكان اللبنانيين، وإنجاز استحقاقاتهم بالنيابة عنهم، ما يعني أنّ الكرة في ملعبهم هم، وتقع على عاتقهم مسؤولية الخروج من المأزق الذي أوقعوا أنفسهم به، وفق الطريقة التي يجدونها ملائمة لذلك.
 
قد تكون “المفارقة” في هذا الإطار، أنّ من كان ينتظر من المجتمعين أن يحدّدوا “خريطة طريق” إنجاز الاستحقاق، وفقًا لرؤيته، وخاب أمله، اختار “التصويب” على الدول الخمس ببساطة، ونبذ “التدخلات الخارجية” التي كانت “حميدة” قبل ذلك، فيما من كان “يتوجّس” من الموقف الغربي الداعم للحوار، عاد إلى قواعده سالمًا، بعد تنفّسه الصعداء لعدم ورود ما يمكن أن “يحرجه”، في حين أنّ “الإحراج الحقيقي” يبقى في عدم انتخاب رئيس طيلة كلّ هذه الفترة.
 
تباينت القراءات لاجتماع اللجنة الخماسية بشأن لبنان. ثمّة من اعتبره إيجابيًا، برسالة “عدم التخلّي عن لبنان”، وتعهّد مواصلة “التنسيق بما يصبّ في مصلحة الشعب اللبناني”. وثمّة من توجّس من بعض بنوده التي صُنّفت “ملغومة”، أو بالحدّ الأدنى، من “رمادية” لا توصل إلى مكان. لكن، “خلف سطور” البيان تبقى رسالة المجتمع الدولي للبنان واحدة، وقد يكرّرها لودريان العائد قريبًا: “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”!