ليسَ عادياً اللقاءُ الذي شهدهُ مقرّ عام “التيار الوطني الحر” أمس الأربعاء في ميرنا الشالوحي، حيثُ التقى منسق لجنة البلديات في “التيّار” روجيه باسيل مسؤول ملف النازحين في “حزب الله” نوّار الساحلي.
بحسب بيان صادرٍ عن اللجنة المركزية للإعلام في “التيار”، فإنّ “البحث خلال الإجتماع تناول ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم ودور البلديات في تحفيز هذه العودة والتأكيد على استكمال التعاون وتكثيف الجهود بين الطرفين في هذا الملف”.
في البُعد السياسيّ، يكتسب هذا اللقاءُ أهمية كبرى، إذ يعتبرُ الإجتماع الأول المُعلن بين “التيار” والحزب إثر القطيعة والعلاقة المتوترة التي سادت أجواء الطرفين خلال الأشهر الأخيرة بسبب الملف الرّئاسي. كذلك، فإنّ هذا الإجتماع يأتي أيضاً وسط إستعادة الحزب و “التيار” خطوط التواصل في ما بينهما مؤخراً من خلال حوارٍ ثنائي يجري خلف الكواليس.
تقولُ معلومات “لبنان24” إنَّه تمَّ التطرق خلال إجتماع مقر “التيار” إلى أهمية التنسيق بين الحزب والتيار لمتابعة ملف النازحين عبر البلديات في المناطق التي يوجد ضمنها التيار من جهة والحزب من جهةٍ أخرى، موضحةً أنَّ السعي يكمنُ في دعم قدرة البلديات على مواكبةِ ملف النازحين ضمن نطاقها بغية ضبطه بالشكل المطلوب.
إذاً ما يتبيّن من لقاء ميرنا الشالوحي بالأمس أنّ “التيار” والحزب التقيا على حوارٍ يرتبطُ بملفاتٍ أساسية بهدف معالجتها أو تقريب وجهات النظر بشأنها. حتماً، اللقاءات المُعلنة قد تنسحبُ على قضايا أخرى بارزة ومن الممكن أن يتم الإعلان خلال الفترة المقبلة عن إجتماعات جديدة بين الحزب والتيّار للبحث في شؤون عديدة على قاعدة الحوار والتلاقي. هنا، تقولُ مصادر مقرّبة من الطرفين إنَّ لقاءات التيار المعلنة قد تتطوَّر أيضاً لتشمل الملف الرئاسي، وسألت: “ما الذي يمنعُ ذلك في المدى القريب المنظور؟”.
أمورٌ عالقة
صحيحٌ أنَّ اللقاءات بين الحزب و”التيار” قد تمّ إستئنافها بشكلٍ واضح المعالم،وجرى الحديث عنها من دون أي مواربة، لكنّ هناك جملة من الأمور تحتاجُ إلى حلحلةٍ بينهما لتُبنى على أساسها إستمراريّة العلاقة. وفعلياً، فإنه في حال لم يجرِ خوض نقاشٍ واضح وجدي بشأن نقاطٍ محورية تساهم في تقوية العلاقة، عندها يُمكن القول إن ما يحصل بين الطرفين لا يعدو كونه تقاطعاً مرحلياً أو تعاطٍ على أساسِ تقليص النّكد.
أساس الأمور العالقة يتمحورُ حولَ ملف تطوير وتحسين إتفاق مار مخايل الذي أسس لتحالف “التيار” والحزب عام 2006. خلال الفترة الماضية، كانت هناك مساعٍ لتحسين بنود هذا الإتفاق وقد نادى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بهذا الأمر مرات عديدة في أكثر من مُناسبة. كذلك، جرى تشكيلُ لجانٍ مُشتركة لبحث الإتفاق، إلا أنه لا نتائج تُذكر على هذا الصعيد. وبعد الجفاء الكبير الذي حصل على خلفية إستحقاق الرئاسة خلال الأشهر الماضية، تقلّص الحديثُ عن إمكانية إستئناف معالجة بنود الإتفاق وتطويرها، حتى أنّ بعض الأطراف راح يتحدث عن “إندثار التحالف” وبالتالي سقوط “إتفاق مار مخايل” من دون رجعة.
تقولُ مصادر مقرّبة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إنَّ هناك نية واضحة لدى الحزب في تحسين شروط الإتفاق، وهذا الأمرُ مرحب به دائماً متى ما أراد “التيار” حدوثه، مشيرة إلى أنَّ التلاقي على التطوير هو أمرٌ مطلوب ويساهم في تعزيز العلاقة أكثر فأكثر.
وسط ذلك، فإن من الأمور التي تحتاجُ أيضاً إلى “ليونة” من “التيار” هي مسألة التعاطي في مجلس النواب وتحديداً مع “تشريع الضرورة” ومع عمل الحكومة في ظلّ تصريف الأعمال. وكما هو معروف، فإنَّ “التيار” يضعُ شروطاً كثيرة على العمل التشريعي في ظلّ الشغور الرئاسي، فيما اتخذ موقف المواجهة ضدّ الحكومة عبر مقاطعة جلساتها والإنقضاض عليها بشكلٍ مستمر. في المقابل، كان “حزب الله” مُصراً على المشاركة في جلسات الحكومة عندما تكون البنود مُلحة وترتبطُ بتسيير المرفق العام وشؤون المواطنين، في حين أن العمل داخل مجلس النواب يرتبطُ أيضاً بالإطار نفسه.
أمام كل ذلك، فإنه ومن خلال الحوار القائم، قد يكونُ الحزب يتقصد إقناع “التيار” بإضفاء سلاسةٍ على تعاطيه مع الحكومة والعمل التشريعي في ظلّ الوضع الإستثنائي القائم. الدعوة هنا لا تأتي انطلاقاً من إضعاف موقف “التيّار”، بل بجعل الأمور تسيرُ نحو درب الحل حينما تكون هناك مشاكل عالقة وترتبطُ مباشرة بشؤون الناس. وفي الواقع، فإنّ “التيار” يمكنه مُجاراة الحزب في مطلبه لسبب أساسي وهو أنّ الأخير لم يتخذ موقفاً مُجابهاً ومتعارضاً مع “التيّار” في الملفات الكبرى التي ترتبط بعمل الحكومة ومجلس النواب. وللتوضيح، فإن الحزب رفض السير بأي تعيينات سواء في المديرية العامة للأمن العام أو في حاكمية مصرف لبنان لغايتين: الأول وهي عدم ضرب صلاحيات رئاسة الجمهورية التي يتمسّك بها “الوطني الحر”، فيما الثانية ترتبطُ بعدم إحراج “التيار” والتضييق عليه وزيادة هواجسه على صعيد السياسة الداخلية.
إنطلاقاً من هذا الأمر، قد يكون “التيار” أدرك تماماً ما كان يفعله “حزب الله” لصالحِه طيلة الأشهر الماضية، ولذلك قرّر الركون إلى حوارٍ ثنائيّ من دون أي شروطٍ مُسبقة. وعليه، تُعول أطراف عديدة على مسألة أن يبدي “الوطني الحر” ليونةً في التعاطي مع مختلف الملفات المرتبطة بالحكومة ومجلس النواب كي لا يبقى دائماً في خانة المُعطلين والمعرقلين. أما على صعيد ملف الرئاسة، فالأمر يحتاجُ إلى بحثٍ آخر، وحتى الآن لا بوادر لتسوية بين الطرفين باستثناء إنتفاء معارضة رئيس “التيار” جبران باسيل لطرح اسم رئيس “تيار المرده” سليمان فرنجية على طاولة حوارٍ جامعة تبحث الملف الرئاسي في مختلف جوانبه.
في نهاية الكلام، يجب القول إنَّ الحوار بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك يحتاجُ إلى إنضاجٍ أكبر، والرسالة التي حصلت يوم أمس من مقر “التيار” تؤكد أن الحزب عاد ليبادر باتجاه حليفه.. والسؤال: متى سيحصل اللقاء الكبير المنتظر والمقصود هنا الإجتماع بين باسيل وأمين عام الحزب السيد نصرالله؟ المرحلة المقبلة قد تحمل بوادر لهذا التلاقي مُجدداً، ولكن تبعاً للمسار الذي سيسلكه الحوار القائم حالياً..