حين يصبح كلب في لبنان أشدّ حناناً وأماناً على طفلة من أهلها الذين اختاروا رميها في كيس قمامة على قارعة الطريق، فلا بد من التوقف قليلاً أمام هول المأساة. ثمّ يجري العثور على طفلين في كرتونتين تحت أحد الجسور، لننتقل إلى أمّ تسترت على والدها الوحش الذي مزّق جسد طفلتها الصغيرة وقتلها اغتصاباً.
الحديث هنا يتخطى الرحمة والإنسانية التي نتوقعها من أي إنسان غريب، إذ نتحدث عن “أهل”حققوا في أطفالهم أبشع الفظائع سواء من شرّهم والشيطان المتحكّم بهم، أو بسبب مشاكلهم النفسية. وهنا طرح مهمّ، عن مدى أهلية الأشخاص لإنجاب الأطفال من الناحية النفسية، وقدرتهم على الإعتناء بهم. التوازن العاطفي والنفسي هو الأساس الأخصائية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية كارول سعادة، شددت على أنه على من يريد الإقدام على خطوة الزواج والإنجاب، أن يكون راشداً على المستويين القانوني والنفسي أيضاً.
وفي حديث لـ”لبنان 24″، أشارت سعادة إلى أن النضوج النفسي يكتمل حين يكون باستطاعة الشخص السيطرة على التهور وعلى التصرفات المبنية حصراُ على العاطفة، ويمتلك بالتالي ميزة التحليل الكافي كي يفصل عواطفه عن الواقع في بعض الأحيان، كي لا يتصرف بطريقة إندفاعية.
وفي حين أكدت سعادة أن تجربة إنجاب الأطفال وتربيتهم ليست بالمسألة السهلة والبسيطة، لفتت إلى أنها يجب أن تكون ممزوجة بالحب والرغبة بالإنجاب.
من هنا، أكدت أن التوازن العاطفي والنفسي هو الأساس لهذه العملية، وهو نتيجة عوامل عدّة جينية ووراثية، فضلاً عن تجارب الطفولة والمراهقة التي تدفعه لرسم هيكلية معينة عن صورته المستقبلية كأب أو أم، المرتبطة بشكل أساسي بعلاقتهم مع أهلهم وما شهدوه منهم.
إلا أن التعميم غير وارد في أي حالة من الحالات، بحسب سعادة، مشيرة إلى أن تركيبة الشخصية تحدد أيضاً المسار الذي سيتّجه نحوه المرء، على الرغم من أنه بشكل غير واعٍ وإذا لم يعمل على تقوية شخصيته، يعمد لتكرار صورة الأب والأم التي امتلكه في صغره.
علامات الإضطراب وعن وجود علامات محددة قد تشير إلى عدم أهلية الشخص لإنشاء عائلة، فتحدثت سعادة عن أن اضطرابا نفسيا في الشخصية من شأنه أن يؤثر على هذه العملية، مثل الإكتئآب المزمن والشديد، حالات الفصام والهذيان والهلوسة، الشعور الدائم بالإضطهاد، الوسواس القوي، فضلاً عن أي نوع من الإدمان وسواها، إذا لم تكن في طور العلاج الصحيح، فهي علامات تؤكد أهمية عدم إنجاب الشخص للأطفال بسبب عدم قدرته على تربيتهم.
من هنا، دعت سعادة إلى ضرورة اللجوء لعلاج أي مساكل نفسية ناجمة عن فترة الطفولة، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى من العلاج هي أن يكون الشخص على دراية بأنه مريض وأن لديه مشاكل نفسية، كي يتخلص منها قبل إقدامه على الزواج والإنجاب.
كما أكدت سعادة أن الإنسان يمتلك مرونة نفسية فيستطيع تخطي كل المشاعر السلبية التي عاشها في صغره من العنف، قلة العاطفة وأن يكونوا عطوفين جداً على أطفالهم. ليس كل من أنجب طفلاً يصبح أمّه أو أباه، إذ يتطلّب الأمر أكثر من عملية جسدية، الحيوانات قادرة على إتمامها. فتأسيس عائلة، نعمة يتوق إليها الكثيرون، في حين لا يقدّرها بعض من سقطت عنهم أهلية أن يصبحوا أهلاً لأطفال.