على المغتربين دعم صمود وطنهم في مواجهة التحديّات

26 يوليو 2023
على المغتربين دعم صمود وطنهم في مواجهة التحديّات


دعا شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى الى “التعاملِ بواقعيةٍ وحكمةٍ مع المستجدات والتطورات، لكي نستطيعَ الثباتَ في وجه العواصفِ والتحدّيات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، لأن المستقبل مجهولٌ بما يُخبِّئ لنا ولكم من تغيُّرات، ومواجهتُه تكونُ أسلمَ وأقوى وأكثرَ فعاليةً إذا ما كنَّا موحَّدين متماسكين”.
كلام ابي المنى جاء خلال اللقاء الاغترابي التكريمي الذي أقيم في دار الطائفة، بدعوة من لجنة شؤون الاغتراب في المجلس المذهبي.
ثم قال شيخ العقل: “يُسعدُني أن نلتقيَ بكم في داركم، دارِ طائفة الموحِّدين الدروز جميعاً، بحضور معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط وسعادة الأستاذ تيمور بك جنبلاط وأصحابِ المعالي والسعادة والسماحة والفضيلة وإخواني وأخَواتي أعضاء المجلس المذهبي وهذا الجمع المنتخَبِ من المشايخ الكرام والأصدقاء المخلصين، وبدعوةٍ كريمةٍ من لجنة شؤون الاغتراب، وبهمَّةٍ عالية مقدَّرة من رئيس اللجنة الرجلِ المقدام والمعطاء الأستاذ جمال الجوهري”.
اضاف: “ما لقاؤنا اليومَ سوى استكمالٍ للّقاء الموسَّعِ الذي أُقيم مساءَ أمس، والذي تمَّ خلاله تكريمُ مجموعةٍ مختارة من رجال الاغتراب الموحِّدين المعروفيّين المميَّزين، “سفراء الأمل”، الذين أثبتوا خلال السنوات الأخيرة وقوفَهم إلى جانب أهلِهم ومؤسساتِهم، وقدَّموا بسخائهم واندفاعِهم وحسِّهم الإنساني نموذجاً راقٍ يُحتَذى به في “حفظ الإخوان” وصيانة المجتمع، والذين أكّدوا هم وأمثالُهم من الأسخياءِ الأوفياء على عمق العلاقة الرابطة بين أبناء الطائفة في الوطن، وبينهم وبين إخوانِهم في بلاد الاغتراب، علاقةٍ لا تنقطعُ، ورابطةٍ لا تنفصمُ عُراها مهما بعُدتِ المسافات شرقاً وغرباً، ومهما تقلّبت الظروف، فرحاً وحُزناً، عُسراً ويُسراً، فالهويَّة وطنيةٌ توحيديةٌ معروفيّة، والنَّبْضُ نَبضُ أصالةٍ وشهامةٍ وعزَّة”.
وتابع: “إخواني، أيُّها القادمون إلينا من بلاد الانتشار، أيُّها السفراءُ الشرفاءُ الأوفياء، أيُّها الطموحون المكافحونَ المجاهدونَ في سبيل الكرامةِ والعيش الكريم، المتحمِّلون ألمَ البُعد عن الأهل والأصدقاء والأحبَّة، وعن أرض الوطن وعَبَقِ ترابِه وعليلِ نسيمِه وصفاءِ مياهِه، يا مَن تكبَّدتُم المتاعبَ والمصاعبَ وناضلتُم لتشقُّوا طريقَ المستقبل لأولادِكم وأحفادِكم، جيلاً بعد جيل، حين سافرتُم وغامرتُم، وتركتُم خلفَكم الدموعَ والآهات، وعيونَ الآباء والأمهات، عيوناً شاخصةً إلى ما وراء البحار، منتظرةً العودةَ السليمةَ الميمونة، حين كان أجدادُنا وآباؤُنا يُغادرون في بواخرِ المعاناة والخطر والحرمان، وتنقطعُ اتصالاتُهم لسنواتٍ وسنوات، فيعودون أو لا يعودون، قبل أن تُعبَّدَ أمامهم سماءُ القارات لأجيال الطائرات، وقبلَ وبعدَ أن أصبحتِ الهُجرةُ رحلةً سهلةً عاديّة، يُدفَعُ إليها الشبابُ دَفعاً نتيجةَ واقعِ البلادِ المأزوم عَقداً بعد عقدٍ، وعاماً بعد عام”.
وقال: “أيُّها الأحبَّةُ المكرَّمونَ أوّلاً من قُراكم ومؤسساتِكم وعائلاتِكم وأهلِكم، أولئك الذين وقفتُم إلى جانبِهم لتعزيز صمودِهم وصون كرامتِهم، قبل تكريمِكم من القيادةِ الحاضنةِ الراعية ومن المجلس المذهبي ودار الطائفة. أيُّها الأخوةُ القادمون من أمكنة الاغتراب والهجران إلى مكان القلب والوجدان، إنَّه لمن دواعي سرورِنا واعتزازِنا أنْ نستضيفَكم اليومَ في دارِكم الجامعة هذه، تكريماً لنخبةٍ منكم، هم “سفراءُ الأمل”، واحتفاءً بكم جميعاً، وأنتم الأخوةُ والأبناء، فالتكريمُ رسالةُ تقديرٍ ولفتةُ وفاء، واللقاءُ لقاءُ محبةٍ وأُخوَّةٍ، أردنا التأكيدَ من خلالِه على صِلتِنا العميقةِ بكم، وعلى أهميّةِ تمتين هذه الصِّلة”.
اضاف: “تأمَّلوا أيُّها الأحبّةُ بما نحن عليه، الماضي يدعونا إلى عدم التنكُّر للإرث المعنويِّ والماديِّ الذي ورثناه عقيدةً توحيدية وقيماً أخلاقية، والذي حفظناه في قلوبِنا وعقولنا وبسواعد أبطالِنا حين كان ينادي الواجبُ للدفاع عن الأرض والعرض والكرامة، والحاضرُ يدعونا للتمسُّكِ بذات المبادئ، والتعاملِ بواقعيةٍ وحكمةٍ مع المستجدات والتطورات، لكي نستطيعَ الثباتَ في وجه العواصفِ والتحدّيات على اختلاف أنواعِها؛ السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، والمستقبلُ مجهولٌ بما يُخبِّئ لنا ولكم من تغيُّرات، ومواجهتُه تكونُ أسلمَ وأقوى وأكثرَ فعاليةً إذا ما كنَّا موحَّدين متماسكين مترابطين واعينَ لمعنى التعاضد وشدِّ الأزر والتكامل الاجتماعي، ومدركين لأهمية التعلُّق بالهويّة والتجذّر بالأرضِ والتشبُّثِ بالوطن.”
وتابع: “لكم جميعاً، لأهلِنا وأبنائنا في بلاد الاغتراب حقٌّ علينا ولنا حقٌّ عليهم؛ حقُّهم علينا وواجبُنا تجاهَهم أن نساعدَ ونتساعدَ في حِفظ الهويّة الروحية التوحيدية والهوية الوطنية التاريخية، من خلال برامجِ التربية والتوعية والتثقيف الديني والروحي، كي لا يُتركَ الأطفالُ والشبابُ كورقةٍ تائهةٍ في مَهبِّ الريح، سيَّما وأنَّ رياحَ هذا العصر عاتيةٌ قويَّة، ومن خلال برامج التعريف بالتاريخ الوطني كي يُدرِكوا حجمَ التضحيات التي بُذلت للحفاظ على الوجود، وكي لا يستخفُّوا بالتراث العريق ولا يفقدوا حسَّ الانتماء لوطن الآباء والأجداد.”
وقال: “حقٌّ علينا وواجبٌ أن نساعدَ الآباءَ والأمهات في تنظيم معاملاتِهم وتسجيل أولادِهم في وطنِهم الأمّ، وفي صَون ممتلكاتِهم وحقوقِهم، من خلال عملٍ مؤسساتيٍّ متقدِّم، بالتنسيق والتعاون مع إخوانِنا معتمدي مشيخة العقل الأكارم الذين لا تُنسى تضحياتُهم، وقد صمد بعضُهم لعشرات السنين في هذه المهمة التطوُّعية، وهم أصحابُ الفضلِ والاندفاع. حقٌّ علينا وواجبٌ أن ننهضَ وإخوانَنا المغتربين بالطائفة من خلال خطةٍ تنمويةٍ استثماريةٍ مدروسة، وأن نذودَ بأرواحِنا وقُدُراتِنا عن ذِمارِها وكرامتِها، وأن نُثبِّتَ حضورَها الوطنيَّ الفاعلَ والمتفاعلَ فتزدادَ ثقتُهم وثقةُ أبنائهم بها وبالوطن الذي لا بديل لنا ولهم عنه”.
اضاف: “أمَّا حقُّنا على أهلِنا في بلاد الاغتراب فهو نابعٌ من محبَّتِنا وحرصِنا ومسؤوليّتِنا، هو حقُّ الولاء والوفاء والرجاء، حقُّ الاتِّصال وعدمِ الانفصال، وحقُّ الوقوفِ إلى جانب أهلِهم وطائفتِهم ووطنِهم في ظروف العيش الصعبة والتحدّياتِ المتتالية. هذا الحقُّ والواجبُ يقضيان بأن نكونَ جسماً واحداً، “إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعت له سائرُ الأعضاء بالسَّهر والحُمّى”، وطَبَقاً واحداً أينما ضُربَ عليه، طرباً أو غضباً، تردَّد الصوتً في جميع أرجائه”.
وقال: “تحيةً لكلِّ مَن ساهمَ وضحّى، أكان بالقليل أو الكثير، فالبحصة أحياناً، وكما يُقال، “تَسندُ الخابية” وقد تقومُ مقامَ صخرةٍ كبيرة، والدعمُ المتواصلُ ساعد، والحمدُ لله، ويساعدُ في تحصين البُنيان، ذلك البنيانِ المعنويِّ والماديِّ الذي حرصَت المختارةُ على حفظِه وتأمين صمودِه على مدى السنوات والعقود والقرون، وعلى الأخصِّ في السنوات الأخيرة، سنوات التدهور الاقتصادي والانهيار المالي في لبنان، وهل ننسى ما قاله وليد بك يوماً: “إنني لن أسمحَ بأن يجوعَ الدروزُ والجبلُ حتى لو اضطُررتُ لبيع قصر المختارة”، ونحن نعلمُ وإيَّاكم أن التعبيرَ صادقٌ ولكنّه مجازيٌّ لأنّ المختارةَ لا تُباعُ ولا تُشترى، وكذلك الجبلُ بكلِّ رمزيَّتِه وبيوتِه وقياداته العريقة، طالما أنَّ الإيمانَ راسخٌ بالله عزَّ وجلّ، وطالما أنَّ في ذلك ذَبَّاً عن الموحِّدينَ والمواطنينَ بغير تمنين، وطالما أن هناك أصدقاءَ كرماء وأياديَ سخيّةً بيضاء، وطالما أن لله رجالاً إذا أرادوا أراد”.
اضاف: “إنّها مسؤوليةٌ مشترَكة، نتشارك فيها جميعاً، قيادةً راعية ومجلساً مذهبياً ملتزماً وأصحابَ فكرٍ واختصاصٍ متنورين ورجالَ أعمالٍ مقتدرين وشباباً مندفعين مثقَّفين، سادةً وسيِّداتٍ، مقيمين ومغتربين، كلٌّ في مجاله واختصاصِه وحسبَ طاقتِه. أمَّا من جهتِنا في مشيخة العقل والمجلس المذهبي فنحنُ نفتخرُ بأننا نرثُ إرثاً طيِّباً من أسلافِنا المؤتَمنين على خدمة الطائفة، ونسعى جهدنا للحفاظ على ما تسلّمناه ولتطوير الدور والعمل بمقاربةِ واقعية ورؤية مستقبلية، حول العديدِ من القضايا، وما أكثرُها، خاصةً في ظلِّ غياب الدولة وضَعفِها، وقلَّة واردات الأوقاف ونقص استثمارِها، وتضاعفِ عدد العائلات المحتاجة للدعم والمعونة، وتفاقمِ الحاجة إلى التوعية والتثقيف الديني وإلى رعاية المجالس الدينية، وتوسُّع الحالة الاغترابية، وبروز الحاجة الماسّة لتمتين العلاقات وتنظيم الصلة معَ الجمعيات الاغترابية، واستقطابِ أجيال المغتربين إليها وإحصائهم بالتعاون معَ معتمدي مشيخة العقل، وسوى ذلك من المواضيع والقضايا التي تتطلبُ عملاً مؤسساتياً رفيعاً وإمكانياتٍ ماديّةً عالية.”  
وقال: “ممّا لا شكّ فيه أنَّ هذه الأفكار وغيرَها تجول في خواطرِكم جميعاً، والجميعُ مَعنيُّونَ بالتضامن لتحقيق ما يُمكنُ تحقيقُه، لكنَّنا مصمِّمونَ من جهتِنا على القيام بالواجبِ ورسمِ خريطة طريقٍ لمستقبَلٍ أفضلَ لأولادِنا، والمساهمة بالتالي في نهضة وطننا، ونحن على ثقةٍ بأنَّ دعمَ القيادة السياسية أساسيٌّ للنهوض والتقدُّم، وتكاملَ الجهود وتضافرَ الإمكانياتِ شرطٌ لا بدَّ منه لتحقيق النجاح، والتخطيطَ الاستراتيجيُّ نقطةُ البداية، والتجرُّدَ من المصالح الشخصية لصالحِ الجماعة باعثٌ مهمٌّ على تعزيز الثقة ورفعِ الشأن العام”.