قبل شهر ونصف الشهر تقريبا، أعلن برنامج الطوارئ الصحية في وزارة الصحة العامة، “انتهاء فاشية الكوليرا في لبنان”، مع عرض مفصل صدر عنه للاجراءات التي تم اتباعها من قبل الوزارة لمكافحة الوباء والتي أثمرت عدم تسجيل أي حالة مؤكدة بالمرض منذ شباط المنصرم.
Advertisement
ولكن قبل اسبوعين تحديدا رأس وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض اجتماعا للجنة الوطنية المكلفة مكافحة الكوليرا، في خطوة إستباقية حتمتها معلومات تبلغتها الوزارة من منظمة الصحة العالمية عن تزايد الإصابات في دول مجاورة وما يعنيه ذلك من خطر انتقال الوباء مجددا إلى الأراضي اللبنانية، على غرار ما حصل السنة الماضية. وللمفارقة انّ هذا البيان الصادر عن الوزارة، تزامن مع تحذيرات متفرقة صدرت عن مجموعة من الاطباء تفيد بامكانية عودة الكوليرا مع تسجيل حالات لاصابات جدا قليلة في مناطق عدة.
حركة النزوح
رئيس “التجمع الطبي الاجتماعي” البرفسور رائف رضا، حذر من عودة انتشار الكوليرا في لبنان، عازيا السبب الى “وجود إصابات في مناطق شمال شرق سوريا في حلب وادلب، بخاصة ان النازحين يذهبون ويعودون، ويعد الانتقال من بؤرة مصابة من أهم الأسباب لنقل العدوى”. رضا تطرق ايضا الى الحديث عن اللقاحات التي اُعطيت للمصابين واعتبر انها تحمي لفترة قصيرة وخصوصا انه لم تعط جرعتان لضمان حماية أطول من الوباء.
وبما انّنا نتحدث عن جرثومة مستوردة، فلبنان بالتالي ليس بمنأى عن حدوث اي مصيبة صحية جديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار انّ عوامل عدة منها ما هو مستجد ومنها ما هو قديم، قد تجعل للكوليرا مجددا بيئة مؤاتية للانتشار. واول هذه العوامل التغيرات المناخية ودرجات الحرارة المرتفعة، فهل لها اي صلة صحية مباشرة على حياة الانسان وخصوصا لناحية امكانية الاصابة بالكوليرا؟
التغيرات المناخية
يتحدث الاخصائي في امراض الكلى والضغط الدكتور نضال المولى لـ”لبنان 24″ عن التغيرات المناخية بشكل عام وتأثيراتها على صحة الانسان عموما، مشيرا الى انّه كما الطقس البارد عندما يتحول الى عاصف يحمل معه الكثير من الفيروسات والانفلونزا، فكذلك الارتفاع المفاجئ والكبير في درجات الحرارة يؤدي ايضا الى امراض عدة وتفشي فيروسات قد تكون خطيرة جدا تؤدي الى دخول المستشفى مع حدوث الجفاف في الجسم والاسهال الحاد ما قد يؤدي احيانا الى الوفاة في حال كان المريض يعاني مع نقص بالمناعة الذاتية.
يُضاف الى ذلك بحسب المولى: “لا يجب ان ننسى انّ مرحلة كورونا أدت الى ضعف المناعة الذاتية لدى الكثير من الاشخاص مع المتحورات التي تركت اثارها السلبية على اجسام الاشخاص الذين اصيبوا بها. والنقطة الثانية والاهم، اننا نعيش في دائرة محاطة بالمشاكل البيئة والاهمال الصحي على مستوى الطعام والشراب مع وجود ملوثات كثيرة وغذاء فاسد يتم بيعه وخضار وفواكه مليئة بالجراثيم، وحدث بلا حرج عن مشكلة التلوث في المياه.. وكل هذه تؤدي الى امراض خطيرة، ونرى بشكل واضح ارتفاع الاصابات بالسرطانات في السنوات الاخيرة، وهذا ما يعني اننا مناعتنا للاسف أصبحت في حال العوز”.
النفايات والغاز السام
ويتابع المولى: “لذا الاهم هنا، هو الوقاية اليوم وتعزيز مناعة الاجسام من خلال نظام غذائي صحي والابتعاد عن كل ما يجعلنا في دائرة الخطر. امّا العامل الثالث والذي لا يقل خطورة عما سبق هو عودة تكدس النفايات في الشوارع، وهذه النفايات في مثل هكذا طقس حار لها الكثير من التفاعلات السلبية على الهواء وبالتالي صحة الانسان”. ويشرح المولى: “ما يحدث انّ هذه النفايات مع درجات الحرارة المرتفعة تولّد البخار، وهذا البخار هو نوع من الغبار السام الذي يبقى في الجو لمدة طويلة، يشمه الانسان والحيوان والنبات وله تأثير سلبي كبير جدا على الاشخاص الذي يعانون من مناعة ضعيفة، وقد يؤدي الى مشاكل جلدية اولا ومشاكل خطيرة على الرئتين قد تؤدي الى الوفاة”.
الجو والكوليرا
هنا نصل الى الحديث عن الكوليرا، ويقول المولى: “كل ما سبق وشرحنا عنه يؤدي بنا الى ملف الكوليرا. فاولا لو اعتبرنا انّ النازحين والاشخاص في المناطق المصابة قد تلقوا اللقاحات المناسبة وهذا جيد جدا، ولكن من يضمن اليوم القضاء على المشكلة الاساسية المسببة للكوليرا، اي المياه الملوثة. هنا اللقاح لن ينفع اذا لم تتم معالجة الانهار التي تتشبع من الصرف الصحي او البحيرات التي تحتوي على جراثيم، وخصوصا مع الحر الشديد، حيث قد نتعرض الى مختلف الامراض الجرثومية والمعدية الخطيرة، ولا مبالغة اذا قلنا الامراض الفريدة من نوعها، تزامنا مع موجة الحر التي يشهدها لبنان حاليا “. ويتابع المولى: “نحن امام مرحلة مشرعة على عدة احتمالات صحية مؤلمة، لا نتحدث لكي نرعب الناس بل لنقول للجميع اتبعوا الاجراءات الوقائية المناسبة من شرب السوائل وتعقيم الخضار والفواكه بالخل، وعدم تناول المأكولات من الخارج وخصوصا الاطعمة التي توضع في الشوارع لفترة طويلة. والاكثار من الطعام الذي يحتوى على السوائل واللبن، او سنكون امام بيئة مهيأة للكوليرا من جديد، ولا بدّ هنا من تعقيم الخزانات ايضا، وعدم التعرض كثيرا لاشعة الشمس لمنع حدوث اي تسمم غذائي او ضربات شمس، ما يؤدي بنا مع هذه العوامل مجتمعة الى الالتهاب الكبدي”.
اذا الوقاية اولا واخيرا لتجنب مختلف انواع الامراض التي قد تحدث تزامنا مع الفوضى المناخية من جهة، والفوضى الحاصلة بموضوع تلوث الطعام والمياه من جهة اخرى.