أنه يوم الحسم. فإمّا أن يحكم العقل والمنطق، وإمّا يكون الفراغ في حاكمية مصرف لبنان كمقدّمة للسقوط الكبير المؤجّل. فمن يتحمّل مسؤولية هذا الفراغ وهذا السقوط؟ في ظاهر الأمور حتى الآن هناك فريقان يتحمّلان مسؤولية عدم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لاختيار اسم جديد للحاكمية من بين ثلاثة أسماء، وهما “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، إلاّ إذا تمكّن الرئيس نبيه بري من اقناع حليفه بالعدول عن فكرة مقاطعة أي جلسة حكومية يصار فيها إلى تعيينات يعتبر أنها ليست من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال. فهل ينجح “الأستاذ” في هذه المهمة اقتناعًا منه بأن “الضرورات تبيح المحظورات”، وبأن البلد لا يحتمل فراغًا في المسؤولية المالية في هذا الظرف، الذي يقف فيه لبنان على فوهة بركان لا يعرف أحد ما سينتج عنه في حال انفجاره، وإن كان هذا الفراغ هو نتيجة حتمية لفراغ أكبر في سدّة الرئاسة الأولى، وهذا ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لافتاً الى أنّ الأمور في حاكمية مصرف لبنان لم تكن لتصل الى هذا الوضع المتأزم لو كان هناك رئيس للجمهورية.
ففي حال اقتنع “حزب الله” بوجهة نظر حليفه، الذي لم يختلف معه في السابق على أي أمر كان، تُعقد جلسة لمجلس الوزراء ويتمّ تعيين حاكم جديد، وإن قاطع وزير السياحة وليد نصار الجلسة، على رغم تحريك وزارة العدل ملف تعيين حارس قضائي من قِبل قضاء العجلة، وذلك بناء على طلب من رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، على أن يكون الغطاء المسيحي مؤمنًا لما ستتخذه الحكومة من قرارات في ضوء الموقف المبدئي لـ “القوات اللبنانية”، التي سبق لها أن طالبت الحكومة، على رغم كونها حكومة تصريف أعمال، بأن تلجأ فورًا إلى تعيين حاكم جديد “يعيد الثقة اللبنانية والدولية بهذا الموقع في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد”.
أمّا إذا لم يقتنع “حزب الله” بما يرمي إليه الرئيس بري، الذي كان له لقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي بهذا الخصوص، وإذا لم يتأمن نصاب جلسة اليوم، فإن البلاد آيل مصيرها إلى ما لا تُحمد عقباه، وليتحمّل عندها المعرقلون والمعطّلون مسؤولية التداعيات الخطيرة، التي ستترتب عن هذا الفراغ، حتى ولو لم يستقل نواب الحاكم. الاتصالات بين “عين التينة” و”حارة حريك” لم تهدأ طوال يوم أمس، ولكن لا شيء مؤكدا، على رغم أرجحية نجاح الرئيس بري في مساعيه، وفق أوساط مقربة من “عين التينة”، التي تؤكد أن المصلحة العامة تبقى فوق كل الاعتبارات، خصوصًا أن البلاد لا تحتمل المزيد من الخضّات، وهي التي تقف على شفير الهاوية.
أمّا ما يُحكى عن مطالبة “التيار الوطني” بتعيين حارس قضائي على حاكمية مصرف لبنان، فإن الردّ بحسب ما يجمع عليه كبار الأخصائيين في الشأن المالي هو بأن هذا الطرح هو خارج السياق العام وخارج منطق عمل المؤسسات، باعتبار أن المسؤولية المالية الوطنية التي يتولاها مصرف لبنان لا يمكن أن تتم مقاربتها بهذا الشكل السطحي، انطلاقًا من أن هذا المرفق الحسّاس والمهم ليس شركة يمكن إدارتها عن طريق حارس قضائي، خصوصًا أن مثل هذه التجارب أثبتت فشلها في أكثر من مرفق وبالأخص في تلفزيون لبنان، وقد أعلنت نقابة موظفيه بالأمس التوقف عن العمل احتجاجًا على عدم تنفيذ الوعود التي وعد بها الموظفون.
فإذا كان النائب باسيل يريد، كما تقول مصادر سياسية معنية، أن تؤول أوضاع مصرف لبنان إلى الحال، التي وصل إليها تلفزيون لبنان، فعندها قولوا السلام على ما تبقى من مقومات صمود.