لم يفهم اللبنانيون الطيبو القلب لماذا لم تُعقد جلسة لمجلس الوزراء بالأمس. لم يكن مطلوبًا من الوزراء أن يعينّوا غصبًا عنهم حاكمًا جديدًا لمصرف لبنان خلفًا لرياض سلامة الذاهب إلى بيته بعد ثلاثين سنة، لأن أي تعيين يتطلب موافقة جماعية. وإذا لم تتوافر هذه الموافقة يسقط أي اقتراح. كان المطلوب من الحكومة أن تضع يدها على ملف بهذه الأهمية، والبحث بالتالي عن حلول ممكنة وسريعة قبل 31 الشهر الحالي، وقبل أن يحل ّالفراغ في أهمّ موقع مالي، وقبل أن تخرج الأمور المالية عن السيطرة الكاملة، وقبل دخول لبنان في المحظور، وقبل بدء عملية العدّ العكسي للسقوط الكبير.
إذًا كان من واجب الحكومة، وهي السلطة الوحيدة، التي لا تزال تعمل من ضمن الإمكانات المتاحة والمتوافرة للحؤول دون الانهيار الشامل، أن تجتمع وتضع التصّور الأكثر ملاءمة لتلافي أي خضّة مالية بعد مغادرة سلامة، الذي وصف نفسه في مقابلة تلفزيونية بأنه “كبش محرقة”، وهي مدعوة مجدّدًا يوم الأثنين المقبل، أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية الحاكم الحالي، لكي تضع يدها على هذا الملف بالطريقة المناسبة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة الذهاب إلى خيار تعيين البديل، لأن الخيارات المتاحة كثيرة ومتاحة، لكن ما ليس متوافرًا هو أن يتحمّل الجميع مسؤولية هذا الملف الحسّاس والدقيق في هذا الظرف العصيب، الذي يعيشه لبنان، وسط هذا الكمّ المخيف من الفراغات، الواحد تلو الآخر.وكما أنه على جميع الوزراء، بمن فيهم الوزراء الذين قاطعوا جلسة الأمس أو أولئك الذين يقاطعون أي جلسة أخرى،حتى ولو كانت أكثر من ضرورية لتسيير شؤون الناس، تحمّل مسؤولية هذا الملف الخطير وغيره من الملفات، كذلك على جميع نواب الأمة تحمّل مسؤوليتهم التاريخية والقيام بواجبهم الدستوري والوطني اليوم قبل الغد. فلو قام هؤلاء النواب بما يفرضه عليهم الدستور وانتخبوا رئيسًا للجمهورية حتى قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون لكان كل هذا الجدل البيزنطي القائم حاليًا بمثابة لزوم ما لا يلزم، ولكان نتج عن هذا الانتخاب وضع طبيعي، من حيث تركيبة السلطة التنفيذية، ولكانت مُلئت كل الفراغات في شكل تلقائي ومن دون إثارة زوابع سياسية تزيد “الطين بلّة”.فلولا هذه الـ “لو” لكان الوضع اليوم على خير ما يرام، ولكانت البلاد تسير، ولو ببطء نحو نمو متزايد، ونحو تطبيق تدريجي وممنهج للإصلاحات المالية والإدارية، التي يطالب بها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكانت أمور الناس أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، ولكان المغتربون، الذين يزورون وطنهم الأم، يتنعمّون بما حباه الله على هذا البلد الجميل من طبيعة خلابة، على رغم موجة الحر الشديدة.قد تكون جلسة الاثنين الفرصة الأخيرة أمام القوى السياسية الممثلة بالحكومة، وحتى غير الممثلة فيها، لكي تتحمّل مسؤوليتها في إيجاد الإطار القانوني لاستمرارية العمل الطبيعي في هذا المرفق المالي الحيوي والمهم، وذلك تلافيًا لأي فوضى في سوق النقد، وإلاّ فإن الآتي قد يكون مخيفًا.