ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبة يوم العاشر من محرم في مسجد الحسنين في حارة حريك، بعد تلاوة المصرع الحسيني، وجاء فيها: “أيها المواسون للحسين وأصحابه وأهل بيته، لقد بذلت جهود كبيرة وقدمت تضحيات ودفعت اثمان غالية من أجل أن يبقى ذكر الحسين وتبقى عاشوراء وتحفظ على مر التاريخ، وبفضل هذه الجهود وهذه التضحيات نستعيد اليوم أحداثها وشعاراتها وأبطالها، ومن مسؤوليتنا أن نبقيها حية وفاعلة بأن نعزز حضورها في كل الميادين وبان نحسن تقديمها ونطور شعاراتها وأساليبها، وأن نقف في وجه من يعمل على تشويه صورتها ونقائها وصفائها والإساءة إلى شخصياتها ورموزها عندما نظهرهم ضعفاء ومهزومين فاقدي الصبر امام البلاء، فيما هم قمة في العنفوان والثبات والتضحية، وان نعمل على ان تكون أهدافها وشعاراتها حاضرة معنا نقدم من خلالها مستقبلا واعدا بالعزة والكرامة والحرية”.
أضاف: “إننا أحوج ما نكون إلى ان نستهدي في هذه المرحلة روحية عاشوراء واباء شخصياتها وصبرهم لنكون قادرين على مواجهة سياسات التجويع والحصار والقمع والاخضاع والعدوان التي يراد منها ان نعطي إعطاء الذليل ونقر إقرار العبيد ونصبح أداة طيعة لمن يريدون الإمساك بزمام امورنا، ان نستهديهم لنكون مع المظلومين وفي صف الذين يعانون داخل اوطانهم وخارجها، أيا كان هؤلاء نحن قادرون ان نؤيدهم بالكلمة والموقف وأن نكون عونا لهم في مواجهة الظلم ولا نتركهم لوحدهم. ومن هنا فإننا نقف مع ظلامة الشعب الفلسطيني حيث لا نرى معاناة تفوق معاناتهم، شعب شرد من أرضه ويقتل كل يوم وتدنس مقدساته على مرأى العالم وبتغطيته”.وتابع: “إننا من وحي عاشوراء ندعو الأمة بكل دولها وأطيافها ومواقعها إلى الوقوف مع هذا الشعب الذي يتعرض لأبشع حالات الظلم والاضطهاد من قبل حكومة يمينية الأكثر تطرفا. وفي الوقت نفسه ندعو إلى حوار عربي وإسلامي من اجل طي صفحات الحروب الدامية التي اكلت أخضر ويابس الشعب اليمني ورفع الحصار عنه وعودة الاستقرار والوحدة إليه وبذل الجهود لإيقاف الجرح النازغ في السودان وليبيا ورفع اليد عن سوريا لاستعادة عافيتها. ويبقى الظلم الكبير الذي يتعرض له القرآن الكريم بتشريع حرقه أمام الملأ رغم أنه نور هدى للبشرية وشفاء لأمراضها وتعزيز لوحدتها ونبذ العنف بين الناس وحفظ كرامتهم. إننا مدعوون ان نواجه هذه الظلامة بإعلان موقف حاسم موحد في وجه من تجرأ عليه او قد يتجرأ بان نعمق التزامنا بالقرآن نهجا وسيرة وان نوصل كنوزه إلى العالم ليعرف هذا العالم أي إساءة هي الإساءة التي يتعرض لها هذا وظلامة أخرى هي ما يتعرض لها المسجد الأقصى من تدنيس وعمل دؤوب من قبل الكيان الصهيوني لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على انقاضه في ظل وجود حكومة صهيونية متطرفة. إننا معنيون برفع هذه الظلامة ورفع الصوت عاليا لمنعه من أي جريمة ترتكب بحق أولى القبلتين وثالث الحرمين”.وقال: “أما على الصعيد الداخلي فلا نزال نعاني في هذا البلد من الانهيار الذي هدد ويهدد مفاصل الدولة وأركانها والذي نراه نتيجة لسوء الإدارة فيها وسياسات الفساد والهدر التي تركت تداعياتها على انسان هذا الوطن واستقراره. لقد أصبح واضحا أن تغيير هذا الواقع لن يتم إلا ببناء دولة قوية قادرة وخالية من الفساد وتعزيز قضاء عادل ونزيه وتفعيل أجهزة الرقابة. ان مشكلة لبنان ليست في وجود الطوائف والمذاهب أو في القوانين التي رسمت في هذا البلد وعلى رأسها اتفاق الطائف بل في عدم تطبيق القوانين واستخدام الطوائف والمذاهب أداة للمحاصصة وتقاسم الغنائم. لقد ساهم كل هذا الواقع الفاسد في جعل البلد مشرعا على الخارج نستجديه لإيجاد حل لانتخاب رئيس للجمهورية وعند كل استحقاق في الوقت الذي نرى هذا الخارج يريد لبنان بقرة حلوب له أو ساحة لصراعاته. سنبقى نرى الحل في هذا الوطن هو بفتح أبواب الحوار الصادق والجاد والذي نريده لبنانيا لكنه لن يخرج بنتائج أن لم يقرر الجميع أن يخرجوا من حساباتهم ومن منطق الغلبة والاستئثار والاستعداد لتقديم التنازلات لحساب الوطن ولاجله”.وختم فضل الله: “لقد أدى الذين كانوا في كربلاء دورهم، فكانوا أوفياء للحسين وأخلصوا له وقد حصلوا على النتائج عند ربهم وصاروا مهوى أفئدة الأحرار وقبلتهم. وتبقى مسؤوليتنا في أداء دورنا وتحقيق أهداف عاشوراء الإيمانية والإنسانية، وإذا كنا، وبحمد الله، قد حققنا الكثير من النتائج التي نشهدها في مسيرة المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني ومواجهة الظلم والاستكبار والاستئثار بثروات الشعوب، فإن ما زال أمامنا الكثير من التحديات التي تنتظرنا والتي تتطلب منا أن نكون دائما على حذر واستعداد لنحقق المزيد من الإنجازات بإذن الله”.