جدل يتجدد في لبنان على وقع الانهيار

31 يوليو 2023
جدل يتجدد في لبنان على وقع الانهيار


كتب يوسف دياب في” الشرق الاوسط”:في السنوات الأخيرة وفي ذروة الانقسامات السياسية التي اكتسبت في كثير من الأحيان بعداً طائفياً، علت أصوات داخل المكون المسيحي تطالبه بالفيدرالية، «حتى لا يهاجر من تبقى من المسيحيين، أو لا يذوبوا في الطوائف الأخرى». وتتعدد المقاربات حيال هذا الطرح، إذ عدّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة كلارمونت بكاليفورنيا الدكتور هشام بو ناصيف، أن «الفيدرالية هي الطريق الوحيدة لإدارة العلاقات بين الطوائف بسلام وبعيداً عن الحروب والاحتلالات».

Advertisement

وأشار إلى أنه «لا يمكن إدارة شؤون مجتمع متعدد الطوائف من خلال دولة مركزية». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الدولة المركزية التي أنشئت في لبنان قبل أكثر من 100 عام، حفل تاريخها بالحروب ولم تنعم إلّا بهُدن هشّة لم تدُم طويلاً، بسبب الكمّ الكبير من التناقضات»، معتبراً أن «الطوائف لديها شخصيات وقراءات للتاريخ لا تزول بسنوات وعقود». وشدد بو ناصيف على «ضرورة إدارة الحكم في لبنان عبر الفيدرالية والحياد، كما فعلت سويسرا التي تمكنت بحيادها أن تتجنّب الانخراط في الحرب العالمية الثانية».
وقال رئيس لقاء «سيّدة الجبل» النائب السابق فارس سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»،الآن يظنّ المسيحيون وربما غيرهم، أن ضمانتهم في اقتطاع جزء من الجغرافيا وإقامة مؤسساتهم عليها». وذكّر بأن «هذا الأمر جرّبه اللبنانيون في مرحلة الحرب الأهلية، وكان ذلك الأسهل إلى تسرّب الاقتتال إلى داخل كلّ طائفة وعائلة، كالاقتتال الشيعي ـ الشيعي في إقليم التفاح (جنوب لبنان)، والاقتتال المسيحي – المسيحي بين كفرشيما ومنطقة المدفون (جبل لبنان)، والاقتتال السنّي – الشيعي في حرب المخيمات ببيروت، والقاسم المشترك بين كلّ هذه الحروب، انهيار الضمانة الجماعية أي ضمانة الدولة». وأضاف سعيد: «حزب الله يشجّع بشكل مباشر أو غير مباشر على استنساخ تجربته، بحيث إن طوائف بدأت تقول إن بيئة (حزب الله) مثالية، لأنه يؤمن الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية لطائفته، وينظرون إليه على أن ينشئ جيشاً ومؤسسات رديفة للدولة»، مشيراً إلى أن «ميزة حزب الله أنه يستقوي بالخارج على الداخل عبر إيران، ولولاها لم يستطع إقامة دولة في الداخل اللبناني».
يحذّر النائب السابق فارس سعيد من رغبة البعض في اعتماد تجربة «حزب الله». ويؤكد أن «من يريد أن يكرر تجربة (حزب الله) فعليه أن يستقوي بدولة خارجية مثل إسرائيل أو تركيا أو العلويين، وهذا يعني إدخال لبنان في حروب دائمة بين الطوائف». ويعبّر عن أسفه لأن «حزب الله نسف مفهوم العيش المشترك، لأنه لم يحترم قواعد العدالة في لبنان، هو تنظيم مسلّح ولا يسمح لغيره بحمل السلاح، كما أنه لم يحترم قواعد الديمقراطية، لأن أي فريق لا يستطيع أن يستخدم نجاحه في الانتخابات، من هنا يعتقد البعض أن الذهاب إلى الخيار الخطأ هو الخلاص». ويشدد سعيد على أنه «لا حلّ لجميع اللبنانيين إلّا بدولة تكفل المساواة في الحقوق والواجبات بين كلّ اللبنانيين».
ويرى الوزير السابق رشيد درباس، أن «الدعوة إلى الفيدرالية تؤدي إلى تلوث نظري وسمعي لا أكثر ولا أقلّ». ويعدّ أن «أخطر ما في مخيّلة أصحاب الفيدرالية هو الاعتقاد أن لديهم رؤية ثقافية بعيدة عن ثقافة الآخرين».
ويقول درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من يعتقد أن الطوائف المسيحية قادرة على أن تنأى بنفسها عن الثقافة الإسلامية واهم، لأن المسيحيين عاشوا مع الثقافة الإسلامية أكثر من 14 قرناً، وكان بينهم علماء وفقهاء وأدباء ومفكرون، وفي وقت من الأوقات، كانوا جزءاً من الدولة الإسلامية»، واصفاً طروحات الفيدرالية بأنها «مجرّد أوهام وتخيلات غير قابلة للتطبيق، لأن أصحابها يتجاهلون الأسباب الحقيقية التي أوصلتهم إلى هذا الخيار، وهي ازدواجية السلطة». ويؤكد الوزير درباس وهو نقيب سابق للمحامين ومرجع قانوني بارز، أنه «لا توجد دولة في العالم تعيش ازدواجية السلطة إلّا وصلت إلى هذه النتيجة». ويسأل: «هل الدماء الإسلامية التي أرهقت على يد المسيحيين أكثر أم على أيدي المسلمين؟ وهل المسيحيون قُتلوا أكثر على أيدي المسلمين أم المسيحيين؟». ويشدد درباس على أنه «لا يمكن لأحد أن يجردنا كمسلمين من ثقافتنا المسيحية ونحن الذين درسنا في المدارس الكاثوليكية»، ملاحظاً أن «المشكلة في السياسات العامة التي من المفترض أن تؤمن مصالح المواطنين لا مصلحة فئة على حساب أخرى».