بمعدل شبه يومي، وأكاد أجزم انّه لا يمر يوما الا ونسمع عن حادثة اطلاق نار في مختلف المناطق. وإذ كنّا في السابق نتحدث عن مجموعة من القرى والمدن التي تشهد عمليات اطلاق نار جراء مشاكل او خلافات او في الاتراح والافراح، الا انّ رقعة هذه الظاهرة المأسوية توسعت اليوم وأصبحت منتشرة من اقصى شمال لبنان الى جنوبه مرورا بكل المناطق.
رصاص متفلت اذا من اي اعتبارات قانونية او اجتماعية، حيث لا مجال للتحاور او النقاش، ليس سوى كلمات متشنجة قليلة حتى “يولع القواص”. في زحلة قبل ايام، وداخل موقف مطعم في المدينة، انتظر أحدهم صديقته، وعندما شاهدها على الفور أرداها قتيلة وقتل نفسه. وقبلها في بلدة شبطين، أقدم مواطن على قتل زوجته مستخدما سلاحه الحربي الذي أفرغه في جسدها في أثناء نومها عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وغيرها الكثير من حوادث القتل والجرائم المتنقلة، التي تودي بحياة المئات وسط تفلت اجتماعي وغياب الروادع الانسانية قبل القانونية والامنية، تلك الروادع التي قد تلجم الناس عن أخذ قرارات عشوائية بقتل ارواح بريئة. وهذا ليس سوى غيض من فيض، مع الرصاص المتفلت جراء الحوادث الامنية والذي يُطلق في الهواء، فينزل على رؤوس المواطنين او سياراتهم او منازلهم فيعرض حياتهم للخطر.اشتباكات عين الحلوةومنذ امس الاول، والاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة، طالت برصاصها المتفلت القرى المجاورة، وكادت أن تودي بأحدهم بشكل مباشر، بعدما اخترقت رصاصة مقعد السائق بينما كان برفقة عائلته في صيدا. هذا ناهيك عن القذائف، وكأنه قدر مكتوب على اللبنانيين للموت بالمجان.فماذا لو اخترقت رأسنا رصاصة “طايشة”؟يكاد السؤال يرعب البعض، فكم واحد منّا نجا من موت محتم، قد يكون على بعد مترين فقط منه؟. هو بلد الموت “بالرصاص الطائش”، هذه الظاهرة المبتدعة في السنوات الاخيرة، والتي قد تودي بحياة كثر من دون أن تترك لذويهم فرصة معرفة سبب الوفاة، وتفارق الضحية الحياة لا حول لها ولا قوة. فمن يحاسب من، ونحن لا نعلم من أطلق الرصاصة، ولماذا أطلقها، وهل هي جريمة أم قضاء وقدر؟ماذا نضع على الصورة المحمولة على النعش للضحية.. شهيد أم مظلوم؟.. ام ضحية لعبة التافهين الاغبياء، اللاعبين بأرواح الناس؟تجربة شخصيةهي اسئلة تنبع من تجربة شخصية، عنوانها “الموت بالمجان” وعلى حين غفلة، حيث سقطت اول رصاصة على بعد أقل من مترين بقربي وانا أركن سيارتي في الموقف المجاور لـ”السيتي سنتر” على تخوم منطقة الحازمية. اقترب منّي صاحب الموقف وقال “كان في هلق قواص قريب”، فحاول البحث عن الرصاصة ولكن لم يجدها لأن درجة ارتطامها الشديد بالارض جعلها ترتطم ومن ثم “تفر”. ولكن ما هي سوى ثوانٍ معدودة حتى سقطت رصاصة اخرى بالقرب مني ومن الرجل العامل في الموقف ويبدو انّ درجة ارتطامها في الارض كانت أقل وطأة من سابقتها فاستقرت بجانبنا. أخذتها في يدي وكانت لا تزال ساخنة وخرجت من المكان “سالمة”، وأنا أعلم أنّه يوميا يعيش اخرون تجارب مماثلة تكاد تودي بحياتهم.أمّا حرارة الرصاصة في يدي، فجعلتني أفكر اولا في غباء ذلك الذي أطلقها ظنّا منّه انه “رجل” و”قبضاي”، وهو ليس سوى شريك في جرائم يومية تحصل في البلد مع الاستخدام المتفلت للسلاح. فمن تراه أطلقها، هل كان في معركة مثلا يدافع عن نفسه، وأمامه جيوش من الاعداء، حتى نعفيه من المسؤولية؟عقوبةلا شيء يعفي هؤلاء من العقوبة، وخصوصا انّ اطلاق النار عن قصد او غير قصد يُعتبر جريمة موصوفة، والابشع تحول اطلاق النار الى ظاهرة يبدو انّ لا حلول لها في الأفق القريب. فعلى الرغم من كل حالات الوفاة التي تحصل ومنهم لاطفال جراء الرصاص الطائش، الا انّ احدا لا يريد أن يرتدع. فمن يدخل ذرة من الوعي الى رؤوس هولاء؟