على قاعدة “خير الكلام ما قلّ ودلّ”، اكتفى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ببضع كلمات فقط في الملف الرئاسي، في الخطاب الذي ألقاه في نهاية مسيرة العاشر من محرّم، بدا فيها “متفائلاً” بفتح أفق في جدار الانقسام القائم، من خلال فتح باب الحوارات الثنائية الجادة، مشيرًا إلى أنّ “هذا ما نعمل عليه ونتعاون عليه ونأمل أن نصل فيه إلى نتيجة، وسنرى ما نصل إليه في الأيام المقبلة”.
Advertisement
صحيح أنّ السيد نصر الله أعرب عن اعتقاده بأنّ الجميع سينتظر شهر أيلول لعودة الموفد الفرنسي، ولا سيما أنّ هناك قوى سياسية ترفض الحوار الذي يجمع الجميع في مكان واحد وعلى طاولة واحدة، إلا أنّه بحديثه عن الحوارات الثنائية، “الجادة والدؤوبة وليس لتقطيع الوقت”، بدا كمن يشير صراحةً إلى الحوار القائم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، والذي يُقال إنّه يحقّق “تقدّمًا” على أكثر من مستوى.
ثمّة في هذا السياق من رأى في كلام السيد نصر الله “تفاؤلاً”، بعد مرحلة من “الجمود”، أو ربما “البرودة”، التي أعقبت خصوصًا اجتماع “المجموعة الخماسية” بشأن لبنان في العاصمة القطرية الدوحة، والذي قيل إنّه “نعى” ما عُرِف بالمبادرة الفرنسية الشهيرة، فهل هذا التحليل في مكانه، وما الذي يعنيه عمليًا؟ هل يعتقد “حزب الله” أنّ فرص إقناع الوزير السابق جبران باسيل بالسير بخيار انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بات ممكنًا؟!
مؤشرات إيجابية
بالنسبة إلى المؤيدين لـ”حزب الله”، فإنّ عدّة مؤشرات إيجابية حصلت في الآونة الأخيرة، تدفعه إلى الاعتقاد بأنّ باسيل قد يكون “أكثر مرونة” ممّا يوحي، وأنّ سيره فعليًا بخيار انتخاب فرنجية ليس من “سابع المستحيلات”، لعلّ أولها فتحه لقنوات التواصل بمعزل عن “الشروط” التي كان يضعها سابقًا، وفي مقدّمها إعلان “حزب الله” تخلّيه الصريح عن ترشيح رئيس تيار “المردة”، وهو ما لم يحصل، إذ إنّ الحزب لا يزال يؤكد تمسّكه بفرنجية أكثر من أيّ وقت مضى.
في الأوساط القريبة من الحزب من يعتقد أنّ “مرونة” باسيل قد تكون منطلقة أيضًا من أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” لم يشعر بالارتياح بعد اجتماع الدوحة الخماسي، الذي قرأ في مضامينه تمهيدًا ربما لتبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي لا يحبّذه باسيل، بل يفضّل فرنجية إن خُيّر بينه وبين عون، علمًا أنّ قوى المعارضة التي تقاطع معها على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، لا تخفي “دعمها” لقائد الجيش في حال أضحى مرشحًا جديًا.
ومن الإيجابيات التي يتحدّث عنها المؤيدون لـ”حزب الله”، أنّ الحوار بين الأخير و”التيار” يشكّل عمليًا “الخرق الوحيد” على الساحة في الوقت الحالي، وأنّ التعويل الفعليّ هو عليه، في ظلّ قناعة راسخة لدى الجانبين بأنّ تفاهمهما قادر على إيصال الرئيس إلى قصر بعبدا، إذ من شأنه أن يؤمّن لأيّ مرشح يتوافقان عليه النصاب العددي المطلوب، والميثاقية المسيحية، علمًا أنّ الفرنسيين ربما يراهنون على هذا الأمر، وهو ما دفعهم لتأجيل المشاورات لشهر كامل.
“العُقَد” لم تنتهِ
ثمّة من يضيف إلى المؤشرات الإيجابية السالفة الذكر التصريحات المكثّفة والمتدرّجة لرئيس “التيار الوطني الحر” في الأيام القليلة الماضية، فهي وإن تفاوتت “تفسيراتها”، والاستنتاجات التي بنيت عليها، ثبّتت “مرونة” لم تكن ملموسة لدى الرجل في السابق، عبر حديثه للمرة الأولى عن “ثمن” يريده مقابل دعم المرشح الرئاسي، ولو أنّ البعض رأى في ذلك “مزايدات”، بوصف هذا الثمن أقرب إلى “الشرط التعجيزي” الذي لا يمكن لـ”حزب الله” القبول به.
بهذا المعنى، يؤكد العارفون أنّ طريق بعبدا لم تُفرَش بالورود أمام فرنجية بعد، رغم الإيجابيات الظاهرة، إذ إنّ تقدّم حوار “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” لا يعني بالمُطلَق أنّ التفاهم بينهما قد حصل، علمًا أنّ هناك من يرى أنّ تصريحات باسيل قد تكون هدفت في مكان ما إلى “جسّ نبض” الشارع “العوني” تحديدًا، قبل الإقدام على أيّ خطوة ملموسة، خصوصًا بعد “التجييش الكبير” في الفترة الأخيرة، لا ضدّ فرنجية فقط، بل ضدّ “حزب الله” نفسه.
استنادًا إلى ذلك، يعتقد المطّلعون أنّ الحديث عن اقتراب “حزب الله” من إقناع “التيار” بالسير بترشيح فرنجية قد يكون بعيدًا عن الواقع، فما فعله باسيل في الأيام الأخيرة قد لا يكون “مرونة” بقدر ما هو على العكس من ذلك “رفعًا للسقف”، لأنّه في قرارة نفسه يدرك أنّ “الثمن” الذي يطلبه بعيد المنال، وهو حين يقول إنّه يقبل بفرنجية إذا تأمّن هذا “الثمن”، فهو يتمسّك بـ”الفيتو” الذي يرفعه في وجه مرشح “حزب الله”، ولو بإطار أقلّ تشدّدًا.
بمعزل عن النتائج التي يمكن أن يفضي إليها، يبدو أنّ الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” يشكّل حتى إثبات العكس، التطور الوحيد الذي يكسر “رتابة” الجمود الرئاسي المستمرّ حتى أيلول بالحدّ الأدنى. لكن، حتى ينجح في إحداث “الخرق”، لن يكون المطلوب من طرفي هذا الحوار الوصول إلى “توافق” فحسب، بل “تطويره” إلى حوارات ثنائيّة موازية، بحيث تشمل مختلف الأطراف، بعيدًا عن منطق “الإقصاء والتهميش”!