كتب ابراهيم بيرم في ” النهار”: لا يمكن لأي مراقب أن يراه أمراً عابراً اندلاع مثل هذه المعارك في ذلك المخيم المتحكم بصيدا ومحيطها وعقدة مواصلاتها وتحديداً الأوتستراد المفضي الى كل الجنوب، بعد أقل من 36 ساعة على زيارة مفاجئة ومحاطة بأكبر قدر من الكتمان قام بها المسؤول الأول عن أجهزة الأمن الفلسطينية في مناطق السلطة الفلسطينية اللواء ماجد فرج.
كانت كل المعطيات المتوافرة تشير الى أن الوضع في مخيمات اللاجئين يعيش حالة من الاستقرار والهدوء، ولم تسجّل صراعات كبرى منذ أكثر من ثلاثة أعوام، إذ كان عين الحلوة يمضي أيامه بشكل طبيعي ما خلا بعض الإشكالات التي كانت سرعان ما تطوّق، فيما كانت الفصائل والقوى التي تتقاسم النفوذ والحضور فيه ملتزمة بما حصلت عليه سابقاً حيث ارتسمت معادلة ميدانية اعتبرت فيها المجموعات الخارجة عن عباءة منظمة التحرير الفلسطينية أنها تسيطر على نحو ثلث جغرافيا المخيم، فيما ارتضت حركة فتح كبرى الفصائل وأعرقها بتراجع حضورها وانكماش نفوذهها وقبضتها، مكتفية بسلطة أمنية شكلية على المخيم ما خلا أحياء الصفصاف والبركسات وقسماً من حي الطيري الواقعة في الشارع الفوقاني وذلك لمصلحة قوى ومجموعات متشددة ولمعظمها ارتباطات خارجية.
وبمعنى آخر، كيّفت حركة فتح نفسها مع هذا الواقع الى أن ظهر فجأة اللواء فرج في زيارة كانت قصيرة إذ لم تتجاوز ثلاثة أيام لكن تداعياتها وارتداداتها ما زالت تتوالى فصولاً وانوجد من يتهم زيارته بأنها “نذير فتنة”.وبصرف النظر عما ستؤول إليه الأوضاع في عين الحلوة الذي سيخرج منكوباً في الساعات المقبلة، فالأكيد أن “الفيلم” الدرامي الذي يُعرض منذ ليل السبت الماضي ليس بالأمر العابر. ففي تلك البقعة الجفرافية التي تدور فيها رحى المواجهات تتكثف وتتصادم كل تناقضات الوضع الفلسطيني وتعقيداته في الداخل والخارج، وتنتصب في الوقت عينه مخاوف قوى لبنانية تفصح عن هواجسها بأن ثمة من يرغب في إقحام عنصر متفجّر جديد على الساحة اللبنانية المثقلة بالأزمات. والإدخال في هذه الحال يعني أن المطلوب فتح هذه الساحة على مزيد من عوامل الاهتزاز والارتجاج والاستغراق، خصوصاً أنه لا أحد يجهل “حساسية الميدان المتفجّر حالياً” أي عين الحلوة التي يمكن من خلالها السيطرة بالنار على صيدا ومحيطها وعلى عقدة المواصلات الأساسية فيها ولا سيما الطريق المؤدي الى عمق الجنوب. وبناءً على ذلك لم يكن مفاجئاً أن يسارع الثنائي الشيعي وحلفاؤه على الساحتين الصيداوية والفلسطينية الى بذل جهود استثنائية لضبط الموقف والحؤول دون توسيع دائرة الصراع. وفي الجملة فإن تقييم المعنيين في محور “الممانعة” أن جولة العنف المتجددة هذه ستضع أوزارها وإن أخذت بعض الوقت، ولكن الأكيد أن السلطة الفلسطينية وامتداداتها بعثت لمن يعنيهم الأمر من خلال ما حصل رسائل تدل على أنها ما زالت قادرة على القيام بمهمات وأنها لم تفقد بعد مبررات حضورها في داخل مناطقها وفي أماكن الشتات أيضاً.