كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن اهتمام مصرفي عربي بشراء مصارف لبنانية وان مصارف أردنية وعراقية استطلعت الوضع في لبنان لمعرفة ما إذا هناك إمكانية للإستحواذ على مصارف صغيرة ليس لديها أي مطلوبات أو تُعاني من ديون كبيرة.
وفي هذا الإطار، أكد الأمين العام لاتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، في تصريح صحافي أن “هذا الاهتمام العربي لا يقتصر فقط على مستثمرين من الأردن والعراق بل من عدد من الدول العربية الأخرى، من الخليج ومصر وغيرها، وأن الأمر لا يقتصر على الإهتمام النظري بل تُرجم بلقاءات ثنائية جرى فيها البحث بإمكانات الاستثمار المصرفي في لبنان”.
الا ان تصريحات فتوح نفاها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في آخر إطلالة تلفزيونية له حيث أكد ان “لا علم له بأي اهتمام مصرفي أردني أو عراقي بشراء مصارف لبنانية”.
علما ان اتحاد المصارف العربية ينظّم الملتقى العربي الأول للمصارف ورجال الأعمال في بيروت اليوم وغدا بمشاركة خبراء ومستثمرين واقتصاديين ومصرفيين عرب، بهدف تعزيز التعاون المشترك والتمويل بين القطاعات الاقتصادية العربية، مع التركيز على القطاع المصرفي والقطاعات التجارية، فهل سيتم التطرق لمسألة استحواذ مصارف عربية على مصارف لبنانية؟ وهل الأمر قابل للتحقيق؟
يُشير خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي عبر “لبنان 24” إلى انه “من المستحيل التوصل إلى حل للأزمة المصرفية في لبنان من دون إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومراجعة قانون النقد والتسليف الذي هو الركيزة الأساسية للجهاز المصرفي والمالي إذ يرعى تنظيم النقد ودور المصرف المركزي وعملياته، وينظّم عمل المصارف إضافة الى المهن التابعة للمهنة المصرفية”.
ويُشدد على انه “لا يمكن إعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني من دون ضخ رأسمال جديد”، مُشيراً إلى ان “الرأسمال الجديد يمكن ضخه من خلال مصارف قائمة حالياً في سياق إعادة هيكلة القطاع المصرفي أو من خلال رخص تُعطى لمصارف جديدة”.
ويُتابع فحيلي: “الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح تحدّث عن “رغبة” لدى المستثمر العربي لامتلاك مصارف لبنانية، وحاكم مصرف لبنان هو السلطة صاحبة الاختصاص للحديث عن إعادة هيكلة المصارف والاعلان من هي المصارف اللبنانية القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد. وهذا الأمران يهما جدا المُستثمر، لأن الاستثمار ليس عملا خيريا بل يُتوقع منه تحقيق نتيجة أو مردود مالي، وبالتالي من المستحيل في الوضع القائم حاليا تقييم المصارف العاملة في لبنان”.
ويلفت فحيلي إلى ان “الجميع يعلم بأن رأسمال كل المصارف العاملة على الأراضي اللبنانية هو سلبي بسبب عوامل جمة ولكن عندما تبدأ الإصلاحات بأخذ مجراها، فان الكثير من هذه العوامل التي تؤثر سلبا على تقييم المصارف ستتبدد وستضخ مُجدداً الحياة فيها عندها يُمكن الحديث عن اهتمام بالاستثمار من عدمه”.
ويؤكد ان “المُستثمر بالوضع الحالي لا يمكن أن يتخذ أي خطوة جدية باتجاه امتلاك مصارف لبنانية لأنه لا يستطيع ذلك بسبب العوامل التي ذكرناها سابقا ولكن هذا لا يمنعه من أن يبدي رغبته بالاستثمار في لبنان”.
ويلفت فحيلي إلى المؤتمر الذي سيتناول موضوع الاستثمار العربي في لبنان، سائلاً: “هل ستُترجم هذه المؤتمرات إلى خطوات عملانية على الأرض؟
ويُجيب فحيلي على ذلك بالقول: “في الوضع الحالي وفي ظل غياب الإصلاحات الجدية والقوانين لاعادة الانتظام إلى القطاع المالي في لبنان لا يمكن ان تؤدي هذه الرغبات بالاستثمار في لبنان إلى نتائج ملموسة”.
ويُضيف:” 99 بالمئة من المصارف في لبنان مملوكة من قبل عائلات، وهؤلاء المصرفيون في حال رغبوا بالمحافظة على هذه الملكية لن يقبلوا بضخ رأسمال جديد اليوم بالمنطق المالي البحت”.
ويُتابع: “سيليكون فالي بنك” على سبيل المثال عندما أعلن إفلاسه منذ فترة غير بعيدة في أميركا تم بيع أحد فروعه في لندن بجنيه إسترليني واحد ففي حال تبين ان المطلوبات في المصرف تفوق الموجودات سيحصل فورا المصرف على رأسمال سلبي”.
إذا يبدو انه من المُستبعد حالياً استثمار مصارف عربية في المصارف اللبنانية، وبالتالي لا بد من تطبيق خطة التعافي الحكومية والتي شددت على إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومعالجة الخسائر التي تكبدها القطاع المالي بشكل عادل ومنصف، علما ان القطاع المصرفي في لبنان شكّل لعقود ركيزة رئيسية للاقتصاد اللبناني، وتمكّن من جذب الودائع ورؤوس الأموال، وبلغت قيمة الودائع الإجمالية في ذروتها أكثر من 150 مليار دولار قبل عام من بدء الأزمة المالية والاقتصادية عام 2019.
وشكّل قطاع الخدمات المالية قرابة 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.وبلغ حجم القطاع المصرفي في وقت الذروة 3 أضعاف الناتج الإجمالي المحلي، وكان معدل نموّه يعادل 3 أضعاف معدل نمو الاقتصاد، ووسّعت مصارف كبرى نطاق عملها الى خارج لبنان وصولاً الى أوروبا وافريقيا.