من الواضح أن القوى المُعارضة بدأت تضع استراتيجية مغايرة لإدارة المعركة الرئاسية في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظلّ فشل كل استراتيجياتها السابقة والتي اعتمدت بشكل أساسي على ترشيح شخصيات مُعارضة لـ”حزب الله” والذهاب بالخطاب التصعيدي حتى النهاية.
لكنّ كل التطورات المسيطرة على المشهد الاقليمي والداخلي أعادت حسابات المعارضة الى بداياتها وذلك لسببين؛ الاول فشل التقاطع مع “التيار الوطني الحر” وانتهائه عملياً، ما يعني أن “حلم” الوصول الى أكثرية نيابية بات أمراً مستحيلاً. اما الثاني، فهو يتركّز حول تعقّد التسويات في المنطقة. لذلك فإن المُعارضة، كسائر القوى السياسية، باتت اليوم تتعامل مع المشهد اللبناني باعتباره ثابتاً في دائرة المراوحة في المرحلة المقبلة وأن أي كباش سياسي أو إعلامي لن يؤدي الى أي نتيجة مرجوّة بل سيكون لزوم ما لا يلزم. من هُنا عمدت المعارضة على الانكفاء تدريجياً لتحضير الارضية للمرحلة المقبلة التي قد تبدأ في النصف الثاني من أيلول.وهكذا، يبدو أن المعارضة تسعى بشكل أساسي وحاسم الى توحيد صفوفها وتجنّب حصول أي اختراقات في كُتلها النيابية وفي كتلة “التغييريين”، ذلك لأنّ عليها، وقبل الذهاب نحو استقطاب كُتل إضافية كـ”التيار الوطني الحر”، أن تضمن وصولها الى كُتلة نيابية صلبة شبيهة بتلك التي تدعم رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بصرف النظر عن كونها لا تحقّق الاغلبية النيابية.ثمة مبادرات سياسية عدّة في المرحلة الراهنة داخل قوى المعارضة تهدُف الى توحيد الصفوف والاتفاق على مسار جدّي أقلّه في ما يتعلّق بالملفّ الرئاسي. وهذا الامر يجب أن يظهر خلال أي جلسة إنتخاب تُعقد مستقبلاً في حال استمرار ترشيح الوزير السابق زياد بارود أو التخلّي عنه لصالح مرشّح آخر تتبنّاه قوى المعارضة بمعزل عن “الوطني الحر”.في المقابل، فإنّ الإرباك الحاصل في المنطقة سواء لجهة عدم وصول التقارب السعودي – الايراني الى خواتيم إيجابية في مجمل الملفّات، أو لجهة العلاقات الخليجية – السورية وغيرها من التسويات القائمة، يعطي أملاً جدياً للمعارضة بالحصول على دعم سياسي قوي في مواجهة “حزب الله”، بعكس المرحلة الفائتة حيث كانت الدول الأوروبية تدعم فرنجية وكانت دول الخليج شبه محايدة عن الملف الرئاسي، وكانت الولايات المتحدة الاميركية بعيدة تماماً عن المشهد اللبناني.