الصندوق السيادي للنفط إنجاز وهمي سابق لأوانه: التجربة النرويجية بالمقلوب !

7 أغسطس 2023
الصندوق السيادي للنفط إنجاز وهمي سابق لأوانه: التجربة النرويجية بالمقلوب !


في غمرة الأحداث المتساوية في سلبيتها، من مشهدية اقتتال الأخوة الفلسطينيين في بقعة الضيافة في مخيم عين الحلوة، إلى كباش من نوع آخر بين اللبنانيين حول استحقاق رئاسة الجمهورية في عرض متواصل منذ تشرين الماضي، وما بينهما من انصراف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى معالجة تبعات الفراغ والنزاع، وتسيير أمور البلاد وصدّ سهام الممانعين لعمل الحكومة، في توقيت تعطّش اللبنانيين للإنجازات، أطلّت لجنة المال والموازنة لتزفّ إنجازها “الصندوق السيادي للنفط والغاز”، وكان تمّ التحضير “للحدث” بالإعلان المسبق عن “مؤتمر صحافي منقول على الهواء وعبر وسائل التوصل الإجتماعي، لشرح تفاصيل القانون الذي يكتسب أهميّة عشيّة بدء التنقيب في البلوك 9، فيدخل بذلك لبنان عمليًّا نادي الدول النفطيّة”. 

الصندوق عراضة تسبق أوانها بعشر سنوات أقلهبتعريف مبسّط، الصندوق السيادي هو محفظة مدّخرات ومجموع الأموال المتراكمة من عائدات النفط والغاز، تحفظ في صندوق مملوك من الدولة، وتهدف إلى إدارة واستثمار جزء من الفوائض الماليّة للدولة، لحفظ عائدات الثروة البتروليّة للأجيال المقبلة.
الخبير في الشؤون النفطيّة ربيع ياغي يلفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ مسمّى الصندوق يعكس غايته، وهو الصندوق السيادي لإدارة عائدات الثروة النفطيّة “بالتالي عندما يصبح لدينا ثروة نفطيّة يجب إنشاء صندوق سيادي على غرار الصندوق النرويجي”. أضاف ياغي أنّ مبدأ الصندوق ذُكر في قانون استكشاف الموارد النفطيّة في لبنان، بعدما تُرجم من النسخة النرويجية وتمت لبننته، ولكن النرويج لم تُنشىء الصندوق السيادي قبل أن تنتج النفط والغاز في بحر الشمال، بل انتظرت نتائج الإستكشافات وأهلّت البنى التحتية، وعندما أصبحت تملك فائضًا من العائدات النفطيّة أسست الصندوق، وبات يستثمر العائدات في الأسواق العالميّة، وحقق أرباحًا مضاعفة مرتكزًا إلى مبدأ الشفافيّة. حاولت النرويج تعميم تجربتها الناجحة لدى دول العالم الثالث، فزارت عددًا من هذه الدول ومنها لبنان، وقّدمت لها المشورة الإدارية والتقنية والقانونية في مجال الطاقة والنفط. كذلك فعلت دول نفطيّة أخرى مثل أبو ظبي والسعودية، أسست الصندوق السيادي، ولكن بعد مُضي سنوات عديدة على الإكتشافات، وبعدما وصلت إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي، وبات لديها فائض للتصدير، عندها أوجدوا الصندوق لاستثمار فائض الأموال. أمّا في لبنان لفت ياغي “فلم نبدأ بعد مرحلة الحفر والإستكشاف، ولم نعرف حجم الكميات وما إذا كان هناك مخزون نفطي في أعماق البحر ذي جدوى اقتصادية. حتّى في حال كان هناك ثروة نفطيّة، لن يصبح لدينا عائدات نفطيّة ملموسة قبل عشر سنوات من تاريخ الإستكشاف، ورغم ذلك سوقوا للصندوق وكأنّه إنجاز. علمًا أنّ هناك مسارًا طويلًا يسبق وصول العائدات إلى الصندوق، يبدأ بالإستكشاف وصولًا إلى تشييد بنى تحتية ملائمة في حال كان هناك كمّيات تجارية، والبدء بعمليات التطوير ومدّ الأنابيب وبناء الخزانات. أمّا إقرار الصندوق اليوم والقفز فوق كل المراحل، تمامًا كما لو أنّنا وضعنا قدمنا في أول خطوة بمسار الألف ميل، وفجأة قفزنا إلى الخطوة 999. انطلاقًا من هنا الصندوق ترف ليس في أوانه، وتصويره على أنّه إنجاز بمثابة وهم يمارسه الفريق الذي استلم قطاع النفط “.لا عمل لأعضاء إدارة الصندوق قبل عشر سنواتهناك خشية من غياب الضوابط التي ترعى عمل الصندوق ودوره، وكيفية اختيار أعضائه بعيدًا عن المحسوبيات. لجنة المال أكّدت استقلالية إدارة الصندوق عن السلطة السياسية، وهنا سأل ياغي هل سيكون الصندوق دولة ضمن دولة، هل ستختفي مقاربة 6 و6 مكرر؟ “كما أنّه في بلد مفلس ما جدوى تعيين أعضاء الصندوق، والدخول في حسابات حول طائفة رئيسه ونائبه، ماذا سيعمل هؤلاء من اليوم لغاية عشر سنوات؟ ثم ماذا لو لم يخلص الإستكشاف إلى وجود كميات في البلوك التاسع؟ هل سيعيدون تجربة أعضاء هيئة إدارة قطاع النفط بتعيينهم ومنحهم رواتب هائلة قبل سنوات من بدء عملهم؟” سأل ياغي مشبّهًا “العراضات الإعلامية اليوم” بما حصل عندما تمّ التوقيع قبل سنوات مع تجمّع الشركات برئاسة توتال الفرنسية “في حينه احتفلوا وهللوا وأعلنوا عن دخول البلد نادي الدول النفطية، وجال رئيسُ الجمهورية السابق ميشال عون في عرض البحر ليدشّن مرحلة نفطيّة. ثم لاحقًا بدأت توتال الإستكشاف في البلوك الرابع لتعلن بنهايته عدم وجود نفط وغاز، وهذا إن دلّ على شيء فعلى قصور وضحالة في مقاربة الملف النفطي، من قبل القيّمين عليه”.من ناحية ثانية لفت ياغي إلى تغييرات تطرأ على أنظمة الطاقة والغاز في العالم، بعد عشر سنوات، وكذلك على القوانين والعقود والتبادلات التجارية ” لذا الأجدى انتظار نتائج الحفر والإستكشاف، قبل تأسيس صناديق تدير أموال وعائدات، لا نعرف شيئًا عن حجمها. والإنصراف إلى تأهيل البنى التحتية لاستقبال الأنشطة البترولية، والفائدة الفعليّة تكمن بإنجاز ما يلزم وتدريب الكوادر اللبنانية في عمليات الإستكشاف والحفر، للوصول إلى يد عاملة لبنانية على المنصّة بنسبة 50%”.