وفي مؤتمر صحافي في معراب، تناول جعجع العلاقة بين مصرف لبنان والحكومة، معرّفا “مفهوم المصرف المركزي بأنه الهيئة الناظمة للقطاع المصرفي في كل البلدان، كما هناك هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء المعرقلة بسبب هذا التحالف والهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات التي بدأت بالعمل لفترة وطُمست لاحقا”، لافتاً الى أن “مهمة المركزي تنحصر، الى جانب انه هيئة ناظمة، بمصير اقتصاد أي بلد وحسن سير القطاع المصرفي وتطبيق القوانين واستقرار القطع المحلي، ناهيك عن انه مستشار الحكومة، وفق قانون النقد والتسليف، وبالتالي يتوجب عليه تنبيهها عندما يرصد اي خطأً وتزويدها بالمعلومات المطلوبة”.وتابع: “لم يكن يوما المصرف المركزي صندوق الحكومة الذي تنفق منه، فهذا دور وزارة المالية لانها التي تجبي وتصرف بطلب او قرارات او مراسيم حكومية، الا انه منذ اكثر من 10 سنوات، نشهد “ملغصة” كبيرة بين المركزي الحكومة. اذ ان مهام الأخيرة جباية مواردها وايراداتها كما يلزم -على قدر ما تجبي تصرف- فهي بمثابة ربّ وربة منزل يقومان بتشذيب وترشيد النفقات، بالتالي الحكومة منذ أعوام لم تمارس هذا الدور انطلاقاً من قواعد محددة بل من روح زبائنية معيّنة، لذا من الطبيعي ان تصرف اكثر من ايراداتها وتلجأ لسد عجزها من خلال الاستعانة بالمركزي. بهذه الطريقة نشأ عرف كان من الاسباب الرئيسية التي اوصلتنا الى هذه الأزمة، تتحمل مسؤوليتها بشكل اساسي الحكومات المتعاقبة وبشكل كبير حاكمية المصرف المركزي”.
واشار جعجع الى “ان استقامة اي دولة تحتاج الى انتظام عمل المؤسسات، ما لم نشهده في السنوات الاخيرة. على سبيل المثال، المجلس النيابي هو المؤسسة الام و”عمله مضروب لان رئيسو عم يضربو”. بعد شهر تمر السنة الاولى من الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، فلو هناك مجلس نواب جدي بإدارة جدية لكانت حصلت الانتخابات، الا اننا ما زلنا نشهد الجلسات الفولكولوية التي يخرجون منها تحت ذريعة عدم وجود التوافق الوطني، علما انه “لو في توافق ما في انتخابات”، عدا عن ان معادلة التوافق بنظر محور الممانعة معروفة تعالوا صوتوا لمرشحنا، ولكن نحن لا نريد التصويت له”.
وتابع: “في وزارة الدفاع، حيث يجب ان يكون القرار الاستراتيجي والامني، نرى ان الجزء الأصغر الداخلي يناط بها فقط، والذي في الاصل ليس من مهامها، بينما الجزء الاساسي وهو حماية الحدود واستراتيجية لبنان ليس بيدها. وبالنسبة للمصرف المركزي فـ”نزعوا” وبات يتمثّل بصندوق لمصروف الحكومة. وهذه هي الاسباب الرئيسية التي أدت بنا الى هذا الدرك بغية ضرب لبنان وصورته ومستقبله، هذا إذا استطاعوا ذلك”.
هذا وتوقّف عند تسلم وسيم منصوري مهام حاكمية مصرف لبنان بالوكالة بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، مشيدا بـ”المبادئ السليمة التي أطلقت في مؤتمر النواب الاربعة والتي فتحت آفاقاً جديدة”، آملا “اصرارهم على مواقفهم و”ما ينزعوا” في ظل الضغوط السياسية، اذ انها بمثابة المدماك الأول في مسيرة الالف ميل”.
وقال: “قرروا اتباع هذه السياسة، وهذا امر جيد، باسثناء خطوة الطلب بإقرار قانون من مجلس النواب يجيز استدانة الحكومة من مصرف لبنان لمرحلة صغيرة، شرط اعادة الأموال. ولو انني اعتقد ان هذا القانون لن يمر بسبب معارضة عدد كبير من الكتل والنواب، هذا لا يعني انني لا اتفهم هذا الأمر ولكن لا اؤيده، لان هذا ليس عمل المركزي المستنزف اصلا. فكم من مرة استدانت الحكومة من الأخير خلال السنوات الاخيرة ولم تردّ الدين؟”، مضيفاً: “عن ضرورة تحديد المسؤوليات فمن واجب الحكومة تأمين رواتب الموظفين ودعم بعض الادوية من مواردها، ما يعد من مهام وزارة المالية، وأداء هذه الوزارة ووزرائها في السنوات الأخيرة كارثة الكوارث على خلفية اصرارها على اخذ ما تبقى من اموال المودعين”.
وتابع: “لدى الدولة ما يكفي من الموارد لتأمين المبالغ المطلوبة منها، كالرواتب وسواها والتي تحاول “شفطا” من مصرف لبنان اي من جيوب الشعب، فالحكومة الحالية كما سابقاتها تستطيع جباية نحو 3 مليارات دولار لكنها للأسف تذهب هدرا لثلاثة أسباب هي التهرب الضريبي الذي يطبّق باستنسابية ما يكلّف الدولة مليار دولار من خلال تطبيق القانون الضريبي على بعض التجار الكبار، وهم معروفون لدى الجميع، وتنتشر فروعهم على الاراضي اللبنانية كافة. التهريب الجمركي على المرفأ والمطار والمعابر الشرعية والذي يصل الى قرابة المليار دولار بسبب مجموعات “التنصيب” المعروفة. والتهريب من سوريا الى لبنان الذي يكبّد الدولة 250 مليون دولار، بعد ان كان يصار العكس في فترة الدعم، وعلى سبيل المثال، تهريب المحروقات الإيرانية الى لبنان التي تدخل عن طريق المعابر غير الشرعية من دون دفع الرسوم فتباع بسعر ارخص، كذلك ادخال التجار “المحظيين”، اصحاب العلاقات مع محور الممانعة، البضائع بطريقة غير شرعية من طرطوس واللاذقية، ما يمنع الدولة من تحصيل مداخيل اضافية، دون ان ننسى الخسائر الفادحة جراء التخابر غير الشرعي”.
وأسف جعجع “للاستمرار في اقفال الدوائر العقارية والميكانيك بدل محاسبة الفاسدين واعادة العمل بشكل طبيعي فيها”.
واذ جدد التأكيد انه لن يوجه “اي نداء الى محور الممانعة الميؤوس منه بطبيعته والذي يتحدث عن انتصارات وهمية فيما الشعب يموت جوعا”، لفت الى وجود “عدد من الوزراء الجيدين في هذه الحكومة الا ان قوامها من محور الممانعة وحلفائه”.
وعن مدى قدرة منصوري على التمسك بقراره ولا سيما انه ووزير المال ينتميان الى المرحعية نفسها، قال: “لا أنظر الى الخلفية السياسية لأي شخص بل الى عمله، والكلام الصادر عن منصوري جيد والخطوة الاولى سليمة ولكن اذا لم يتابعها فلا حول ولا قوة، ولكن وبغض النظر عن مرجعيته السياسية الطروحات الصادرة عنه وعن نوابه سليمة حتى الآن.”وتطرق جعجع الى الملف الرئاسي، فقال: “ما تقوم به القوات مع المعارضة ككل هو قطع الطريق على مرشح الممانعة كي لا نمدد للوضع المأساوي الحالي مع مزيد من التدهور، بهدف إيصال رئيس ينجح في تحسين الوضع ولو خطوة، ولا انتظر شيئا قبل ان يبدّل محور الممانعة موقفه المتمثل بتمسكه بسليمان فرنجية. اما لجهة التحاور فعلى ماذا نتحاور؟ مع العلم ان قنوات التواصل مفتوحة”.