في ما بدا غمزًا من قناة الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، باعتبار أنّه وحده “يخرق” الجمود المهيمن على المشهد السياسي هذه الأيام، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري إنّ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان طرح أمامه “الحوار الوطني وليس الحوارات المتفرقة”، قبل أن يقولها بوضوح لا يحتمل اللبس: “لما يصير في نتائج بموضوع الحوار بين حزب الله والتيار اسألوني إذا كنت مرتاح”.
في هذا الكلام الذي أدلى به خلال دردشة مع الصحافيين، خرج بري للمرة الأولى عن “صمت” التزمه منذ إعلان الوزير السابق جبران باسيل إعادة إحياء “قنوات التواصل” بينه وبين “حزب الله” بعد قطيعة فرضها “الافتراق الرئاسي”، ولم يخرقه حين ألمح باسيل إلى “تقدّم” الحوار، قافزًا فوق الاتفاق على “اسم الرئيس” للحديث عن “البرنامج”، بل لوضع “شروط” لما وصفها بـ”التضحية”، بينها اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني.
لم يقل بري صراحة إنّه “غير مرتاح” لمجريات الحوار بين الجانبين، ولا إنّه “ممتعض” من التسريبات بشأنه، وإن بدا تأكيده أنّه مستمرّ في ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية “حتى النهاية” معبّرًا، لكنّ موقفه طرح الكثير من علامات الاستفهام، فما صحّة الحديث عن “انزعاجه” من الحوار الذي يتمسّك به حليفه الأول، أي “حزب الله”؟ وهل وقع “التباين” بين الطرفين من جديد في مقاربة استحقاق الرئاسة؟!
“توجّس” بري
يقول العارفون إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يصوّب عليه البعض، بل يهدّده بـ”العقوبات” على خلفية موقفه من الاستحقاق الرئاسي، لا يعارض أيّ حوار من حيث المبدأ، لكنّه “أكثر من متوجّس” من “النوايا الحقيقية” لباسيل من حواره مع “حزب الله”، خصوصًا بعدما عبّر صراحةً عن موقفه “السلبي” من ترشيح رئيس تيار “المردة”، لدرجة يصبح معها احتمال “انقلابه على نفسه” عبر انتخابه “سابع المستحيلات”.
يلفت هؤلاء إلى أنّ موقف بري ليس سلبيًا من الحوار في المبدأ، ولا من “حزب الله” بطبيعة الحال، لإدراكه أنّ التحالف مع الأخير “أكثر من محصّن”، وقد عجز باسيل وغيره في “دقّ إسفين” على خطه، رغم كلّ المحاولات التي بذلها، لكنّه يخشى من أن يكون حواره مع الحزب “توطئة” لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو تكرار “سيناريو” 2016، حين “تمايز” بري عن “حزب الله”، فكانت النتيجة “عهد جهنّم”، إن جاز التعبير.
وخلافًا للمرونة التي يبديها بعض المحسوبين على “حزب الله” بعد مواقف باسيل الأخيرة، التي بدا فيها برأيها كمن يستعدّ للتراجع، والقبول بانتخاب فرنجية رئيسًا، يرى البعض أنّ موقف بري “سلبي” من الطروحات التي عبّر عنها رئيس “التيار الوطني الحر” أخيرًا، ليس فقط لكون الشروط التي يسعى لفرضها لغايات “شعبوية” غير قابلة للتطبيق أصلاً، ولكن لأنها أكثر من ذلك تقفز على اتفاق الطائف، وتتخطّى نصوصه الواضحة.
هل من تباين مع “حزب الله”؟
بعيدًا عن “توجّس” بري من “حزب الله”، ثمة من أوحى استنادًا إلى مواقفه الأخيرة، بوجود “تباين” بينه وبين “الحزب”، فاعتراضه على الحوار الذي يجريه الأخير مع “التيار” رغم أنّ بري يُصنَّف “عرّاب الحوار” بصورة عامة قد ينطوي في الواقع على “رسالة سلبية” باتجاه “الحزب” قبل باسيل، لأنه قَبِل الدخول معه في “حوار بالمفرّق”، في حين أنّ باسيل كان أول من “ضرب” فكرة “الحوار الوطني” التي يقف وراءها بري.
ثمّة من يتحدّث في هذا السياق عن “تباين أعمق” يظهر بين الجانبين، استنادًا إلى “تشدّد” بري الذي عبّر عنه مجدّدًا بتأكيده تمسّكه بترشيح فرنجية “حتى النهاية”، في مقابل “ليونة” الحزب الذي يبدو “مَرِنًا” إزاء احتمال “التخلّي” عن فرنجية بموجب الحوار، وباعتبار أنّ “التسوية” تتطلب تنازلات متبادلة، وهو ما جعل كثيرين يجزمون بأنّ بري و”حزب الله” قد يفترقان رئاسيًا مرّة أخرى، كما حصل أساسًا في الاستحقاق السابق، ولو لم يؤثّر على تحالفهما.
وفي حين يقول البعض إنّ التباين بين الجانبين لا يقتصر على الملف الرئاسي، إذ إنّ بري “استاء” من وقوف “حزب الله” في وجه نية الحكومة تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، “كرمى لعيون” باسيل أيضًا وأيضًا، يؤكد العارفون أنّ كل ما يُحكى في هذا الإطار لا يمتّ إلى الواقع بصلة، فبري ليس هو من ترك “حزب الله” وبدأ بالهجوم عليه كما لم يفعل خصومه، يوم اختلف معه على الرأي، ولعلّ هذا بالتحديد هو سرّ العلاقة “النموذجية” التي تجمعهما.
يقول العارفون إنّ رئيس مجلس النواب قد لا يكون مرتاحًا للحوار بين “حزب الله” وباسيل، لكن بسبب الثاني لا الأول، لأنّه ليس ميّالاً للاقتناع بفرضيّة أن رئيس “التيار الوطني الحر” سيقبل بفرنجية، ولو كان ذلك لقطع الطريق على قائد الجيش، كما أنّ توجّسه الأكبر يبقى من احتمال “ابتزاز” باسيل لداعمي فرنجية للانضمام إليهم، مقابل “ثمن” قد لا يكون دفعه مُتاحًا أو حتى مقبولاً، وهنا بيت القصيد!