تلفزيون لبنان تاريخ مجيد فلا تضيّعوه

12 أغسطس 2023
تلفزيون لبنان تاريخ مجيد فلا تضيّعوه


كنت واحدا من بين كثيرين تابعوا عن قرب أوضاع تلفزيون لبنان، قبل وفاة مديره العام المرحوم ابراهيم الخوري، وبعد وفاته. المشكلة الرئيسية والأساسية لم تكن ادارية أو مهنية أو نقابية، بل كانت مشكلة سياسية، وذلك نظرا إلى أن المسؤولين في الدولة كانوا يريدون أن يديروا هذا التلفزيون بمنطق المحاصصة، ولكل منهم مصلحة في أن يبقى التلفزيون الرسمي، الذي له وضعية قانونية مختلفة عن المؤسسات العامة النابعة للدولة، من دون ادارة تتولى تسيير أموره بطريقة علمية بعيدًا عن منطق المحاصصة كما في سائر المؤسسات، التي تنهار الواحدة تلو الأخرى، بسبب قصر النظر، وبسبب الخلافات السياسية حتى داخل الفريق الحاكم الواحد.وبنتيجة هذه الخلافات بقي هذا التلفزيون، الذي يديره موظفون كفؤون ومهنيون لا غبار على كفايتهم، متروكًا من دون ادارة حكيمة ورشيدة، وتم اللجوء إلى أساليب بالية لم تؤدِ سوى إلى تفاقم الأمور نحو الأسوأ.فهذا التلفزيون – الأم، الذي يراد له ان يلقى مصير المؤسسات الأخرى المنهارة، لا يزال يكافح من أجل البقاء، ولو بالحد الأدنى من مقومات الصمود.يوم أخذ وزير الاعلام السابق الصديق غازي العريضي قرارًا بإقفال هذا التلفزيون، كنت من بين معارضي هذا الاقفال، وذلك اعتقادا مني بأن الحل لا يكون بالإقفال. وهذا ما اقتنع به كثيرون يومها، وأعيد العمل فيه، ولكن بعد فوات الاوان. ولم يكن قرار الاقفال صائبًا، ولا حتى إعادة تشغيله بالطريقة التي تمت فيها اعادة التشغيل. 

أما اليوم، وبعد هذا الجدل القائم بين وزير الاعلام زياد المكاري كسلطة وصاية على تلفزيون لبنان والموظفين الممثلين بنقابتهم، فإن ما يُرسم له لا يشي بحلول ناجعة، لأن المشكلة ليست فقط بتأمين رواتب الموظفين، وهو أمر بديهي ويجب أن يكون تلقائيا، بل بطريقة إدارة هذا المرفق المهم والحيوي.فتلفزيون لبنان ليس كسائر المحطات الخاصة، لأنه رمز تمامًا كالليرة اللبنانية، على رغم انهيارها أمام العملات الأخرى. فكما أن الاستغناء عن العملة الوطنية جريمة في حق الوطن كذلك الأمر بالنسبة إلى تلفزيون لبنان.فعلى الذين يتعاطون اليوم بهذا الملف الحساس والدقيق أن يقرأوا جيدًا تاريخ هذا التلفزيون. عليهم أن يعودوا إلى أرشيفه، وإلى برامجه، وإلى جيل كامل من الاعلاميين – الأعلام، والى فنانيه ومخرجيه ومهندسي الصوت والاضاءة والديكور، وإلى المصورين، والكتّاب والأدباء الكبار، وبعضهم لا يزالون أحياء يرزقون، وكثير منهم أصبحوا في دنيا الحق. عليهم ان يعودوا إلى حلقات “ابو ملحم”، و”ابو سليم”، وإلى برامج نجيب حنكش ورياض شرارة واستديو الفن مع سونيا بيروتي، وإلى الدراما اللبنانية، يوم لم يكن في المنطقة دراما غيرها. عليهم أن يعودوا إلى أرشيف مروان العبد ومروان نجار وانطوان غندور وشكري انيس فاخوري وأحمد العشي ووجيه رضوان، والى كبار الممثلين أمثال فيليب عقيقي وانطوان كرباج وميشال تابت ونبيه أبو الحسن ونهى الخطيب سعادة وليلى كرم وجورج شلهوب والسي فرنيني والياس رزق وعبد المجيد مجذوب وهند ابي اللمع وابراهيم مرعشلي وسعاد كريم ورشيد علامة وفريال كريم ومحمد شامل وشوشو وماجد افيوني واحسان صادق وامال عفيش ووداد جبور ومارسيل مارينا وسمير معلوف وإيلي صنيفر وشرنو وعلياء نمري وليلى حكيم وجوزف نانو ولميا فغالي ومحمود سعيد وشفيق حسن وسمير شمص ونزهة يونس والفيرا يونس وايلي ضاهر وسميرة بارودي ووفاء طربية والشيف أنطوان، وإلى المخرجين سيمون الأسمر والبير كيلو وجان فياض وايلي سعادة وأنطوان ريمي وباسم نصر والفرد بركات وجورج غياض،  والى غيرهم الكثيرين ممن يصعب نسيانهم، وإن لم نذكرهم جميعا. عليهم أن يعودوا إلى الزمن الجميل يوم كان اعلاميوه روادًا أمثال عادل مالك وجان خوري وكميل منسى وجمال عباس وعرفات حجازي وجورج قرداحي وايلي صليبي وجاك واكيم ولبيب بطرس وواصف عواضة والياس الزغبي وفؤاد الخرسا وشارلوت وازن الخوري ونعمت عازوري وزافين قيومجيان وسعاد قاروط العشي وغابي لطيف ونجوى قزعون وريموند انجولوبولو ومي منسى ووفاء العود وسمير منصور وجاندراك أبو زيد وجورج فرشخ وكريستيان أوسي وصائب دياب وندى صليبا وجلال عساف ودلال قنديل ووفاء حيدر وجورج صليبي وسعيد الغريب وزاهرة حرب وبيار غانم وعصام عبدالله وانطوان سلامة ، وغيرهم الكثيرون. يوم كان تلفزيون لبنان رائدًا في كل شيء لم يكن في لبنان أو في المنطقة ما يجاريه، إعلاميًا وانتاجًا ونصًّا وتمثيلًا واخراجًا وإبداعًا.   وأن ننسى فلن ننسى شارل رزق وريمون جبارة وجان كلود بولس وفؤاد نعيم وإبراهيم الخوري.  هؤلاء جميعًا صنعوا مجد تلفزيون لبنان، وغيرهم الكثيرون ممن خانتنا الذاكرة لذكرهم، فلهم ألف تحية وألف اعتذار، ولقوافل “الجنود المجهولين”، الذين لا يزالون حتى تاريخه يجاهدون ويكافحون حتى لا يبقى هذا التلفزيون أثرًا بعد عين.