الحوار بين التيار الوطني وحزب الله ناقص

15 أغسطس 2023
الحوار بين التيار الوطني وحزب الله ناقص

لا نشكّ أبدًا في قدرة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على التماهي مع ما يريده “حزب الله” رئاسيًا، خصوصًا إذا تم التوافق بينهما على تفاصيل الصفقة الرئاسية في مقابل وعود غير أكيدة بمجاراة ما يطالب به من مشى بالأمس مع خيار الوزير السابق جهاد ازعور لجهة تحقيق اللامركزية الموسعة، وبالطبع ليس اللامركزية المالية الموسعة، وإقرار الصندوق الائتماني بعد أن يكون بند الصندوق السيادي المدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية الخميس المقبل قد أقرّ. وما بين هذين الصندوقين فرق شاسع. 

 
ولكن هذا الحوار الثنائي بين “التيار الوطني” و”حزب الله”، وإن كسر بعض الجليد المترامي على جوانب العلاقات المتوترة بين “ميرنا الشالوحي و”حارة حريك”، لن يوصل رئيسًا للجمهورية من لون معيّن، لأن البلد محكوم شئنا أم أبينا بتوازنات لا يمكن تخطّيها بسهولة، وهذا ما كشفته حادثة الكحالة، التي لا يمكن اعتبارها حادثة بسيطة كسائر الحوادث، التي يمكن أن يطويها النسيان. فالكلام، الذي يُشتمّ منه بأن فيه بعضًا من تهديد مستند إلى ما لدى “حزب الله” من فائض قوة كمثل أنه “لن يصل رئيس إلا من فريقنا” هو كلام في غير مكانه الصحيح، لأنه يمكن أن يصدر كلام مماثل عن الفريق الآخر. وهكذا نكون “مطرحك يا واقف” في ما خصّ الملف الرئاسي، خصوصًا أن “سلاح” الثلث المعطّل يمكن أن يُشهر “عند الحشرة” من قِبل “المعارضة” تمامًا كما استعمله “الفريق الممانع” على مدى تسعة أشهر من التعطيل. 
 
وبهذه الطريقة قد يبقى لبنان من دون رئيس ليس سنتين ونصف السنة كما حصل في العام 2014، بل عشر سنوات، حتى ولو اتفق الأميركيون والإيرانيون رسميًا على الملف النووي بعد الاتفاق الشفهي، وحتى ولو أصبح بين الرياض وطهران وحدة حال، وتمّ التفاهم على تقاسم النفوذ في المنطقة بالعدل والقسطاس. ما يُنتج رئيسًا للبنان الواحد هو تفاهم اللبنانيين في ما بينهم، وأن أي مساعدة خارجية تكون مطلوبة إذا صبّت في خانة تقريب وجهات النظر بين المختلفين على أمور كثيرة تتطلب ما هو أكثر من “دوحة 1″، وأقل من “طائف 1”. ولكي يكون هذا التفاهم بين المتباعدين ممكنًا يجب أن يجلس الجميع إلى طاولة مستديرة واحدة ومن دون شروط مسبقة، ومن دون أن يستقوي أحد على الآخر، لا بسلاحه ولا بعلاقاته الخارجية، وأن تُطرح كل المسائل الخلافية وغير الخلافية على بساط البحث بكل صراحة وشفافية، إذ لا مصالحة حقيقية من دون مصارحة حقيقية. 
 
يجب أن تُطرح على هذه الطاولة ، التي يسعى الفرنسيون إليها، وهم يضعون كل ثقلهم وصدقيتهم من أجل إنجاح عقدها، كل المواضيع، خصوصًا إذا كانت محدّدة بالتفصيل ومتفق عليها مسبقًا من قِبل جميع الأفرقاء، وأن يكون جلوس الجميع إلى هذه الطاولة من منطلق جدّية الوصول إلى ما يقرّب المسافات بين اللبنانيين، الذين يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات. 
 
من هنا يمكننا القول إن الحوار الثنائي القائم  “التيار الوطني” و”حزب الله”، وإن كان ضروريًا ومطلوبًا، هو حوار ناقص، لأنه لن ينتج عنه أي اتفاق على مستوى الوطن بأكمله، بل تقتصر مفاعيله على فريقين من بين عدّة أفرقاء يتكّون منهم هذا البلد – النموذج الصغير بمساحته.