لعلّ حادثة الكحالة أثبتت بالنسبة للفريق “السياديّ”، وخصوصاً “القوّات اللبنانيّة” و”الكتائب” خطورة الإتيان برئيس ينتمي لمحور “الممانعة”، لأنّه سيستمرّ بتأمين الغطاء السياسيّ لأعمال “حزب الله” العسكريّة داخل لبنان وخارجه . وقد بدأت المواجهة الفعليّة بين الفريقين المسيحيين و”الحزب” في الطيونة، حينما اندلعت إشتباكات عنيفة هناك، بسبب تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت، إذ يقول مراقبون إنّ هناك حالة مسيحيّة لم تعدّ تقبل بممارسات حارة حريك على المستويّات كافة، سياسيّاً وأمنيّاً وقضائياً، وحادثة “كوع الحكالة” الأخيرة خير دليل على رفض المسيحيين لمنطق السلاح الخارج عن سيطرة الدولة.
Advertisement
وفي الوقت الذي يتحاور فيه “حزب الله” مع “التيّار الوطنيّ الحرّ”، وترحيب السيّد حسن نصرالله بكيفيّة مقاربة الرئيس السابق ميشال عون لحادثة الكحالة، ارتاحت أوساط الضاحيّة الجنوبيّة لوجود حليفها المسيحيّ السابق إلى جانبها، ويدعو إلى الهدوء وعدم التصعيد، كيّ لا تنجرّ البلاد إلى حربٍ أهليّة. في المقابل، هناك فريقٌ لبنانيّ مسيحيّ وازنٌ أعلن التصعيد مع “الحزب”، بدءاً بقطع الطريق أمامه بانتخاب سليمان فرنجيّة، لأنّ هذا الأمر باعتقاده، سيجرّ لبنان مرّة أخرى إلى “التدهور” السياسيّ والإقتصاديّ، وسيُعزّز الدويلة على الدولة و”المقاومة” على الأجهزة العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ رئيس “القوّات” سمير جعجع أعلن في حديثٍ صحافيّ أنّ الشارع المسيحيّ لن يتسلّح بوجود قوى أمنيّة شرعيّة، ما يعني بحسب المراقبين أنّ المواجهة بين المسيحيين و”حزب الله” هي سياسيّة، وخصوصاً رئاسيّة، وقد تصل إلى عسكريّة محدودة في بعض الأحيان، كما حصل في الطيونة وأخيراً في الكحالة، لأنّ هناك حالة رافضة في الشارع المسيحيّ لمنطق القوّة الذي يفرضه “الحزب” على شركائه في الوطن. ويُشير المراقبون إلى أنّ فادي بجاني على سبيل المثال لا ينتمي إلى “القوّات” أو “الكتائب”، وقد عبّر عن “إشمئزازه” من الطريقة التي يتعامل بها “حزب الله” في “المناطق المسيحيّة”.
وفي هذا السيّاق، فقد حذّر نصرالله المسيحيين في إطلالته يوم الإثنين الماضي من الذهاب إلى حربٍ أهليّة، فالتضييق على “المقاومة” وقطع الطرقات التي تُشكّل شرياناً مهمّاً لإمداداتها العسكريّة يعني حكماً إنتقال المواجهة السياسيّة إلى عسكريّة معها، كما حصل في أيّار 2008، حين اندلعت إشتباكات مسلّحة هي الأخطر بين اللبنانيين بعد انتهاء الحرب، ما دفع الحكومة آنذاك إلى سحب قراراتها التي استهدفت فيها “حزب الله”، وعاد الهدوء إلى المناطق اللبنانيّة بعد إتّفاق الدوحة.
وبحسب أوساط مسيحيّة معارضة، فإنّها لا تُريد أنّ تجرّ المسيحيين إلى حربٍ أهليّة مع “حزب الله”، لكنّها تُحذّر من سياسة “الحزب” التي لا تُؤمن بالدولة، وتُساهم في إدخال البلاد عند كلّ إستحقاق في شغور سياسيّ، ضاربة بعرض الحائط إّتفاق الطائف والدستور والقوانين. وتُشدّد هذه الأوساط على أنّ النفور المسيحيّ من “حزب الله” سببه إستقواء الأخير بسلاحه، إضافة إلى احتجازه الإستحقاق الرئاسيّ الذي يعني المسيحيين بشكل خاصّ. وتُضيف أنّ “حزب الله” بهذه الأساليب هو الذي يقوم بالتصعيد مع الشارع المسيحيّ. وتُؤكّد الأوساط أنّ لا نيّة أبداً بالذهاب إلى مواجهات عسكريّة مع حارة حريك، وما حصل في الكحالة هو تعبيرٌ عن الغضب لدى المسيحيين من سياسات “الحزب” هذه مع اللبنانيين.
وتُؤكّد الأوساط أنّها مستمرّة بجمع أفرقاء المعارضة كافة لعدم السماح لـ”حزب الله” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” الذي يتحاور معه حاليّاً بالإتيان برئيس “ممانع”، أو محاولة فرض مرشّح على اللبنانيين بالقوّة، من منطق إمّا مرشّحنا أو الفراغ. وتلفت إلى أنّها مستعدّة لكافة الوسائل الدستوريّة المتاحة كيّ تقطع الطريق أمام فرنجيّة. وتُتابع أنّ هناك قناعةً لدى المعارضة بأنّ انتخاب رئيس مقرّب من “حزب الله”، سيأخذ البلاد إلى ستّ سنوات جديدة من الإنهيار، وسيضرب العلاقات اللبنانيّة مع الدول العربيّة والغربيّة، التي يحتاجها لبنان في مساعدته على التعافي الإقتصاديّ.