قبل حادثة الكحالة، تحوّل النقاش السياسي في لبنان الى نقطة شبه وحيدة هي التسوية المرتقبة بين “التيار الوطني الحر” من جهة و”حزب الله” من جهة ثانية، على اعتبار أن الحوار الذي بدأ بين الطرفين سيؤدي حتما الى نقاط مشتركة وربما الى تسوية رئاسية شاملة تفرض نفسها على المشهد خصوصا وأن المبادرة الفرنسية تراجعت ولم يعد لها دور حقيقي في إحداث خرق عملي في الاستحقاق.
أحدث الحوار بين “التيار” والحزب قلقاً جدياً لدى فريق المعارضة، أولاً لانه ادى الى انسحاب رئيس “التيار” جبران باسيل من التقاطع الرئاسي مع قوى المعارضة وهذا ما أبعد هذه القوى بشكل كبير عن الأكثرية النيابية التي كان من الممكن أن توصل مرشحها الوزير السابق جهاد ازعور الى قصر بعبدا، وثانياً لأنه قد يؤدي الى قلب الطاولة لصالح مرشح “حزب الله” أياً يكن.أحدث الحوار بين الحليفين السابقين توازناً حقيقيا مع “الخماسية الدولية” التي إنتقلت من موقع الإحتواء السياسي ومن إستراتيجية الحوار الى موقع الصلب المواجه، الذي يريد أن يمارس ضغوطاً جدية ليمنع الحزب من إيصال مرشحه الى قصر بعبدا، وهذا ما سلب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الغطاء الدولي وجعله مجدداً مرشح “الثنائي الشيعي” حصراً.لكن فتح نوافذ الحوار مع باسيل، الذي بات المقربون منه يغمزون من قناة إمكانية القبول بفرنجية ضمن سلة شاملة من الشروط والمطالب، سيعوض إنسحاب الفرنسيين من دعم فرنجية او اقله انكفاءهم السياسي المؤقت عن الساحة اللبنانية، وسيجعل تأمين أكثرية نيابية امراً ممكناً ومتاحاً خصوصاً انه يترافق مع الميثاقية المسيحية التي قد يؤمنها تكتل لبنان القوي من خلال دعمه لفرنجية او تأمين النصاب لانتخابه.علماً ان هذا التفاؤل بالحوار الثنائي بين الحليفين خارج عن المنطق، لانه حتى لو وافق “حزب الله” على شروط باسيل، فهل سيتمكن من تأمين تمرير هذه الشروط في المجلس النيابي؟ وكيف سيؤمن الاكثرية النيابية للامركزية الادارية أو المالية؟ واذا لم يستطع الحزب تأمين الاكثرية، هل سيلتزم باسيل بإنتخاب فرنجية فقط لأنه حصل على توقيع الحزب وإلتزامه بالتصويت داخل البرلمان؟في الجلسات الاخيرة التي حصلت بين الطرفين، أكد “حزب الله” انه غير قادر على تأمين الدعم النيابي لمطالب باسيل وشروطه ومشاريع قوانينه، وهو سيلتزم فقط بما يتفق عليه مع “التيار”، لكنه لا يستطيع إلزام حلفائه، لذلك نصح الحزب باسيل بأن يتحاور مع مختلف القوى السياسية، لان ذلك وحده كفيل بإقرار المطالب الدستورية التي يضعها رئيس التيار على الطاولة…