حزب الله يدعو للتهدئة.. هل خطر الحرب الأهلية جدّي؟!

17 أغسطس 2023
حزب الله يدعو للتهدئة.. هل خطر الحرب الأهلية جدّي؟!


في الخطاب الذي ألقاه في مناسبة الذكرى السنوية الـ17 لانتهاء حرب تموز 2006، أو ما يُعرَف بـ”انتصار آب”، توقّف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عند حادثة الكحالة الأخيرة، لكنه في اتجاه “معاكس” للتصعيد الذي طبع مرحلة ما بعد الحادثة، إذ دعا إلى “التهدئة وإعادة الحسابات”، مشدّدًا على وجوب معالجة الأحداث التي تحصل من هذا النوع “بالحكمة والتعقّل وروح المسؤولية العالية”.

 
صحيح أنّ السيد نصر الله انتقد في كلمته “زعامات سياسية وشخصيات سياسية وقوى سياسية” متّهمًا إياها بأنها “تدفع البلد باتّجاه الحرب الأهلية”، كما ألقى باللوم على بعض الإعلام، الذي وصفه بـ”الخبيث”، في التحريض والتعبئة، لكنّه بدا أقرب إلى “خفض السقف”، حتى إنّه لم يكرّر بعض مضامين البيان الأول للعلاقات الإعلامية في الحزب يوم الحادثة، الذي بدا للوهلة الأولى “تصعيديًا”، مع الحديث عن “ميليشيات مسلحة”.
 
في كلام نصر الله تحذير واضح، لا مبطن فحسب، من الذهاب إلى الحرب الأهلية، باعتبار أنّ مثل هذا الخيار سيجعل الجميع في حالة خسارة، ولا سيما أنّ أحدًا لن يتدخل لإنقاذ أحد، بل إنّ الكثير من الجهات ستعمل على تسعير هذه الحرب، وبالتالي فإنّ هذا الخيار سيأخذ البلاد إلى الخراب وسيسقط الهيكل على رأس الجميع، ولكن، هل بات خطر “الحرب الأهلية” وشيكًا حقًا، أو ربما “جديًا”؟ وما الذي يخشاه “حزب الله” تحديدًا؟
 الخطر موجود
 
يقول العارفون إنّ خطر “الحرب الأهلية” جدّي وغير جدّي في آن، فبعض الأحداث المتراكمة “تغذّي” هذه الفرضية بشكل أو بآخر، والتي تعزّزها بعض المواقف التي يطلقها البعض، سواء عن حسن أو سوء نيّة، وسواء عن قناعة أو عن “شعبوية خالصة”، ولكن هذه الفرضية تبقى “بعيدة المنال” من ناحية أخرى، في ضوء المواقف “الحكيمة والمسؤولية” التي تأخذها بعض الأطراف “المعتدلة”، إن جاز التعبير، من المعسكرين المتنازعين.
 
بالنسبة إلى هؤلاء، يكفي للدلالة على ذلك العودة إلى “جوّ” حادثة الكحالة تحديدًا، فمن راقب الشارع يومها لا بدّ أنّه شعر بأنّ “طبول الحرب تُقرَع”، وهي طبول بدت أكثر من جليّة في حالة “الغليان” التي رُصِدت في الشارع، وفضحت “احتقانًا” في النفوس، أخذ أبعادًا مذهبية وطائفية، وهو ما كاد يُنذِر بأخذ البلاد إلى اقتتال أهليّ، لو لم تتعامل بعض القوى السياسية والأمنية والعسكرية مع الموقف بالوعي المطلوب، لتفادي الكأس المرّة.
 
أكثر من ذلك، ثمّة من يشبّه ظروف اليوم بظروف العام 1975، ليتحدّث عن “خطر حقيقي” باندلاع حرب أهلية، فالأزمة السياسية بلغت “ذروتها”، والانقسام عموديّ وعميق، علمًا أنّ ما يزيد من حدّته أنّ فكرة “الحوار” تبدو مرفوضة من قبل شريحة واسعة من الشعب، بوصفه “بلا جدوى وبلا قيمة”، بل إنّ هناك من بات يعتبر الحوار “انتصارًا لفريق ضدّ آخر”، في بلد يدرك القاصي والداني أنّه لا يمكن أن يُحكَم وفق صيغة “غالب ومغلوب”.
 
ماذا يخشى “حزب الله”؟
 
في الكلام الأخير للأمين العام لـ”حزب الله”، تبدو الخشية من تأزّم الأمور واضحة، ولذلك على الأرجح استخدم النبرة الهادئة، واللهجة “الاستيعابية” في معالجة الأمر. صحيح أنّ هناك من انتقده لإلقائه كرة المسؤولية على الإعلام، لكنّ العارفين يقولون إنّه أراد بذلك التقليل من وقع الحادثة بحدّ ذاتها، باعتبار أنّها حادثة عادية، وما كانت تستأهل كلّ هذه الضجة، لو لم يضخّمها البعض، “لغاية في نفس يعقوب”، إن جاز التعبير.
 
يؤكد العارفون أنّ خلف كلام نصر الله خشية مؤكدة لدى “حزب الله” من الوقوع في فخّ “الحرب الأهلية”، لكنّها خشية يقول المحسوبون على الحزب، إنّها ليست “ذاتية”، فحتى لو أنّ هذه الحرب ليست في مصلحته، وسيكون خاسرًا بنتيجتها، لكنّ الآخرين سيخسرون أكثر منه، وفق هؤلاء، ولا سيما أنّ أيّ رهان على قدرة مثل هذه الحرب على تغيير المعادلات لن تنفع، تمامًا كالرهان على الخارج، الذي لن يجد مصلحة في إنقاذ أحد.
 
يشدّد هؤلاء على أنّ “الحرب الأهلية” لا يجب أن تكون خيارًا لدى أيّ طرف، حتى لو كان يعتقد أنّه يستطيع على “تحسين شروطه” بنتيجته، لأنّ هذا الاعتقاد ليس أكثر من “وهم”، وهم يعتبرون أنّ التفاهم بين اللبنانيين هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمات، تمامًا كما قال السيد نصر الله في خطابه، والمطلوب من جميع الفرقاء أن يتلقّفوا هذه الرسالة على وجه الخصوص، بعيدًا عن منطق “التحدّي والنكايات” الذي لا يفضي إلى مكان.
 
في خطابه، تحدّث الأمين العام لـ”حزب الله” عن الحوار مع “التيار الوطني الحر”، فوصفه بـ”الجدّي والإيجابي”. يقول البعض إنّه أراد من ذلك أن يؤكد “قناعته” بأنّ التفاهم الرئاسي لا بدّ أن يمرّ من خلال “التيار”. لكنّ البعض الآخر يقرأ في “الرسالة”، ما هو “أبعد” من ذلك، ومفاده أن الحوار، بمعزل عن أطرافه، هو “الملاذ الأخير”، لتجنّب “ويلات” الحرب، فهل تصل هذه الرسالة إلى “رافضي” الحوار؟!