باسيل يرحب بـالمنافسة.. هل يرضى حقًا برئاسة غيره لـالتيار؟!

18 أغسطس 2023
باسيل يرحب بـالمنافسة.. هل يرضى حقًا برئاسة غيره لـالتيار؟!


تمامًا كما كان متوقَّعًا، أعلن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل ترشيح نفسه مجدّدًا للبقاء في موقعه، في الانتخابات التي ستجري في العاشر من أيلول المقبل، تحت شعار “استكمال النضال”، داعيًا في الوقت نفسه، أيّ منتسب لـ”التيار” تتوافر لديه الشروط القانونية ويتمتع بالأهلية وبالقدرة على قيادة الحزب، أو غير راضٍ عن قيادته للتيار سياسيًا أو إدارته تنظيميًا، ويملك مشروعًا أفضل، إلى “المنافسة الديمقراطية”.

من هذا المنطلق، لم تَخلُ كلمة الترشيح التي أطلقها باسيل عبر المنصّات الرقمية، من العواطف والوجدانيّات، بدءًا من حديثه عن “المنافسة بالديمقراطية”، وتعهّده قبول نتيجة الانتخابات، ولو لم تكن في صالحه، وصولاً إلى نفيه صفة “الوراثة السياسية” عن نفسه، مرورًا باعتباره “التزكية” التي باتت عنوانًا لانتخابات “التيار الوطني الحر”، شأنه شأن الكثير من الأحزاب التقليدية الأخرى، “ديمقراطية لكن بنتيجة حاسمة لصالح مرشح وحيد لم ينافسه أحد”.

لكن، بعيدًا عن هذه العواطف التي قد يصحّ وصفها بـ”الجيّاشة”، ثمّة من يطرح العديد من علامات الاستفهام عشيّة انتخابات “التيار” المنتظرة الشهر المقبل، فهل “يرضى” باسيل فعلاً برئاسة غيره لـ”التيار”، من باب “المنافسة الديمقراطية”؟ هل من يجرؤ أصلاً على خوض “المعركة” في وجه الرجل الذي بات برأي البعض يختصر “التيار” في شخصه، بعدما “شطب” السيرة النضالية لقيادات “تاريخية”، ووضع من تبقّوا تحت “التهديد”؟!

واقع “التيار” المُرّ
على قدر “حلاوة” فكرة الانتخابات داخل “التيار الوطني الحر”، التي تكتسب شرعيّتها من نظام الحزب الرئاسيّ، بعدما أضحى “التيار” الحزب السياسي الوحيد في لبنان الذي يُنتخب رئيسه مباشرة من القاعدة المؤلفة من 40 ألف منتسب، يتحدّث البعض عن “مرارة” الواقع الذي يشهده “التيار” في هذه المرحلة، بعدما خرج منه الكثير من المناضلين القدامى، طوعًا أو قسرًا، فيما يجد الكثير من “رفاقهم” أنفسهم في موقف لا يُحسَدون عليه.

يذكّر العارفون في هذا الإطار بما يسمّونه ظاهرة “الهجرة العكسية” من “التيار” في السنوات الأخيرة، بعدما كان متوقَّعًا أن يسهم وصول مؤسّس “التيار” العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا إلى رفع أسهم الحزب، فكانت النتيجة أنّ الكثير من الأسماء التي ارتبطت “تاريخيًا” بـ”الجنرال” خرجت أو أخرِجت من “التيار”، الذي يرى كثيرون أنّه “انقلب على نفسه” في ظلّ “العهد القوي”، بعدما وجد “العونيون” أنفسهم في قلب المنظومة التي لطالما حاربوها.

يتحسّر بعض “العونيين القدامى” في هذا الإطار على واقع “التيار”، الذي يعتبرون أنّ عون وباسيل يتحمّلان سويًا مسؤولية “انحداره” بشكل أو بآخر، فالأول لم يعد يرى سوى في باسيل “المُنقِذ”، ويرفض أيّ رأي آخر، فيما الثاني يعزّز مواقع المقرّبين منه والمحسوبين عليه على حساب “المناضلين”، ولو تلطّي تارة خلف النظام، وطورًا خلف المجلس التأديبي، لتبرير قرارات “طرد تعسّفي” أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل داخل “التيار”.

انتخابات “صورية”؟!
لكلّ هذه الأسباب، لا يُعتقَد أنّ الانتخابات المقبلة ستحمل جديدًا على خطّ قيادة “التيار”، إذ يستبعد العارفون أن يترشح أحد في وجه باسيل، الذي “ضمن” الرئاسة لنفسه، بعدما أخرج كلّ من يمكن تصنيفه “مشاكسًا” من الصفوف الحزبيّة، ولم يبقَ من المعارضين له سوى أسماء تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، بل إنّ المفارقة أنّ هؤلاء “مهدَّدون” بدورهم بالخروج، وقد يكون ترشح أحدهم في وجه باسيل “ورقة الانسحاب” على طريقة الأحزاب “الشمولية”.

يذكّر العارفون بما حصل في الآونة الأخيرة مثلاً مع بعض “نخبة” النواب “العونيين” من الذين تعرّضوا لـ”نيران غير صديقة” من قلب “التيار”، وتحديدًا من الفريق المحسوب على باسيل، لا لشيء إلا لأنّهم عبّروا عن رأي مخالف لرأيه في مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية، وتحديدًا في مسألة ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، رغم ما سُمّي “إبراء مستحيلاً”، حتى إنّ هناك من لوّح باحتمال “طردهم” من “التيار” أسوةً بغيرهم.

وإذا كانت كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ انتخابات “التيار” ستكون صورية وشكليّة، باعتبار أن نتيجتها محسومة سلفًا، وأنّ باسيل سيبقى رئيسًا لـ”التيار” بالتزكية، التي قد لا تكون “خير تعبير” عن وجود توافق على شخصه، يتمسّك المؤيدون لباسيل بوجهة نظر مختلفة، تدعو المعارضين له إلى خوض “التحدّي” والترشح، إذا كانوا واثقين بأنفسهم وبقدراتهم، فباسيل كما غيره “تحت القانون”، وصناديق الاقتراع تبقى “الفيصل”، وهنا “بيت القصيد”.

قد تبدو دعوة باسيل والمحسوبين عليه إلى “المنافسة الديمقراطية” في انتخابات رئاسة “التيار”، أقرب إلى “مثالية غير واقعية” بنظر البعض، بالنظر إلى “تراكمات” أوصلت “التيار” إلى ما هو عليه اليوم، وقد أضحى برأي كثيرين في اتجاه “مناقض” لسيرته التاريخية ومبادئه النضالية. يختصر هؤلاء الأمر بأنّ “التيار” الذي كان يمكن أن يكون نموذجًا يحتذى في العمل الحزبي، أصبح الآن “نسخة” عن سائر الأحزاب، بدليل انتخاباته “المعلّبة”!