ليس أسهل على أي مسؤول قد ألقيت على كاهله كامل المسؤولية من أن يقبع في منزله ويقول “بطيخ يكسّر بعضو”. هكذا يفعل غيره. يريدون تحميل الناس ما لا طاقة لهم على حمله، ويكتفون بالجلوس في صفوف المتفرجين على خراب بلدهم، ولا يقومون بأي مسعى لـ “فرملة” هذا الانسياب الأعمى نحو المجهول – المعلوم.
من السهل جدًّا على المرء أن يجلس مستويًا في مقعده ويضع رجلًا على رجل، ولا يفعل شيئًا سوى تكتيف يديه وهزّ رأسه أسفًا، ومن دون أن يكّلف نفسه عناء التفتيش بـ “السراج والفتيلة” عن بصيص نور، وعن أمل في النفق المظلم والطويل. من السهل جدًّا أن يرمي سلاحه من يعتبر نفسه حاميًا لما تبقّى من دستور يُخترق مع كل طلعة شمس، ويقرّر أن ينسحب من المعركة التي تُخاض في وجه ألف عدو في آن. قد يكون ما نقوله غريبًا بالنسبة إلى بعض الاتكاليين، الذين نأوا بأنفسهم عن تحمّل المسؤولية في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى كل جهد حتى تتكامل الأدوار الانقاذية، أقّله في مجال تقليل الأضرار الناجمة عن الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، والذي ينتج عنه تعميم لـ “ثقافة” الفراغ على مستوى مؤسسات الدولة قاطبة، باستثناء بعض الإدارات، التي لا تزال تكافح من أجل البقاء ومن أجل الحؤول دون انهيار شامل، ومن بينها المؤسسات الأمنية، وفي مقدمها مؤسسة الجيش، الذي “يقاتل” بـ”اللحم الحيّ”، ويقوم بكل ما يُطلب منه على أكمل وجه، متناسيًا الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يعاني منها أفراده كما سائر الشعب، الذي يعض على جراحه وليس في يده حيلة سوى الصبر والدعاء، لأنه حاول أن يوصل صوته في 17 تشرين إلى أبعد ما يستطيع لكنه أتُهم بأنه ينفذّ “أجندة” خارجية، وبأنه يتلقى تعليماته من السفارات. وهكذا وبين اتهام من هنا وتعديات طالت خيم المعتصمين من هناك فرط ما كان يمكن أن يحقّقه الحراك المدني، الذي استطاع أن يوصل ثلاثة عشر نائبًا من رحم المعاناة إلى البرمان، الذي ظلّ رهينة التجاذبات السياسية، وهو بات عاجزًا ليس عن انتخاب رئيس، بل عن تأمين نصاب لجلسات تشريع الضرورة. فمن صابر وجالد طوال سنة ونيّف بهدف تأمين ما أمكن من معالجات آنية لأزمات مستعصية هي نتيجة الضياع السياسي سيجد نفسه، بعد أن تُرك يدير وحده دّفة السفينة، التي تلاطمها الأمواج العاتية، مضطرًّا إلى كشف المستور، ورفع ورقة التوت عن عورة السياسيين، الذين لا يزالون يتصرّفون وكأن الأزمة التي تعصف ببلادهم هي في بلاد “الماو ماو”. فما يطرأ من أزمات جديدة تُضاف على ما هو قديم ليس سوى نتيجة لهذا التخبّط السياسي، وهذا الانقسام العمودي الحاد، الذي تحّول إلى انقسام أفقي. فما تحفل به ساحات التواصل الاجتماعي من تضارب في المصالح والتوجهات ليس سوى القسم الظاهر من جبل الخلافات العائم على صفيح من التناقضات، مع ما يمكن أن تُستدرج إليه الساحة السياسية من تفاعلات هي أشبه بـ “الداعشية السياسية”، التي لا تقّل خطورتها عن التفرعات الشبيهة بهذه الحال غير المنتظمة في الحياة السياسية الناتجة طبيعيًا عن تغييب دور رئاسة الجمهورية، التي هي رمز لوحدة الوطن.