ليست عاديّة العملية الأمنيّة التي نفذتها وحدة الحماية في “حزب الله” يوم الجمعة الماضي، ضدّ الإرهابي “الداعشي” وسام دلّة في حي السلّم – الضاحية الجنوبية. ما حصَل أعاد الذاكرة إلى سيناريوهات التفجيرات التي كانت تهزّ الضاحية الجنوبية قبل 10 سنوات في ظلّ الحرب السورية التي بدأت عام 2011. حينها، كانت أنشطة الجماعات الإرهابية مكثفة بين سوريا ولبنان، في حين أن ما فرضته التفجيرات على الساحة الداخلية ساهمَ في إرساء خطرٍ كبير على مختلف المناطق، سواء في الضاحية أو في بيروت أو في أي منطقة أخرى.
على صعيد الإرهابي دلّة الذي قتل نفسه خلال عملية الجمعة، فإن دوره كاد يعيدُ نشاط “داعش” في لبنان، والمفارقة هي أنّ التنظيم الإرهابيّ بات يستعيد حالياً زمام المبادرة في شمال شرقي سوريا من خلال جملة عمليات تصعيدية يقودها هناك آخرها تمثلَ بتفجير إستهدف رتلاً عسكرياً للجيش السوري يوم 7 آب الجاري. هنا، فإنّ ما يظهر جلياً هو أنّ “داعش” الذي فقد السيطرة على أماكن ومناطق جغرافية في سوريا والعراق عام 2019، بات يعملُ وفق قاعدة معروفة سابقاً باسم “الذئاب المنفردة”، والتي تتمثلُ بشنّ إرهابيين هجماتٍ إنتحارية أو تفجيرات على غرار ما كان يحصلُ سابقاً في لبنان أو في سوريا أيضاً، وذلك من دون أن يتكلف التنظيم خسائر مادية أو عسكرية.
سيناريوهات خطيرة
واقعياً، فإنّ “الأمن الإستباقي” خلالَ هذه المرحلة بات حاجة أساسية، وما يجب فعله لتجنب أي سيناريوهات دموية جديدة وخطيرة هو المضي في تكثيف العمل الإستخباراتي وضبط الحدود مع سوريا، باعتبار أن معابر التهريب كثيرة ومن خلالها يُمكن أن يدخل إرهابيون إلى لبنان مثلما فعل دلّة قبل نحو 3 أسابيع. وفعلياً، إن لم يحصل ذلك، عندها ستكون الساحة اللبنانية مُشرعة أمام إحتمالات عديدة، لاسيما أنّ هناك بيئات حاضنة يمكن أن تحتضن أي تخطيط لعمل إرهابي وتنفيذه أيضاً. وللتوضيح أكثر، فإن المعابر التي سمحت بمرور دلة وغيره من الإرهابيين، يمكن أن تتيح أيضاً لسيارات مفخخة الدخول إلى لبنان. أما الأمر الأخطر والذي يجب تداركهُ فهو أنّ هناك مناطق يمكن أن تُشكل نواة لإنطلاق إرهابيين وانتحاريين تابعين لـ”داعش”، والأساس هنا يرتبطُ بمخيّم عين الحلوة الذي يشكل حالياً بؤرة أمنية متوترة بسبب نشاط مجموعات إرهابية تتبع “داعش” فكرياً، وتسعى إلى توسيع نفوذها داخل المخيم بشكلٍ قائم على المعارك المسلحة.
وللتذكير، فإنه وبعد إندلاع الإشتباكات في المخيم أواخر شهر تموز الجاري، جرى الحديثُ عن دخول عناصر إرهابية من “داعش” إلى المنطقة بعد مجيئها من سوريا. الكلامُ هذا ليس عادياً أبداً، ويعني أنَّ المنطقة مُشرّعة أمام إرهابيين، يسرحون ويمرحون ويدخلون الأراضي اللبنانية عبر منافذ غير مكشوفة وغير مضبوطة. وإلى جانب ذلك، فإن المخاوف الأساسية القائمة اليوم ترتبطُ بإنطلاق عناصر تفجيرية من الداخل اللبناني (من عين الحلوة على سبيل المثال)، ما يعني أن “داعش” قد لا يكون بحاجة لإرسال إنتحاريين من سوريا. عملياً، إن حصل هذا الأمر، فإن ذلك يعني أنّ لبنان بات مخروقاً مُجدداً بإرهابيي “داعش”، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر أمنياً.
إزاء كل هذه المشهدية، يجبُ بكل بساطة إتخاذ التدابير الوقائية في ظلّ تنامي مشهد الإرهاب مُجدداً، والأساس هنا يرتبطُ بـ3 خطوات وهي: تعزيز عملية ضبط الحدود، إنهاء أي وجود لجماعات يُشتبه بتواصلها مع “داعش” ورفع ذروة الأمن الوقائي إلى أقصى الدرجات. ومن دون أي تساهل، فإن أحداث عين الحلوة قد تكونُ مقدّمة لإنفلاتٍ أمني كان “داعش” يسعى إليه عبر عناصره هناك.. فما الذي يمنع وجود هذا السيناريو؟ وما الذي يمنع أن تكون التحذيرات التي أطلقتها السفارات مؤخراً في لبنان مرتبطة بوجود معطيات فعلية عن تجدّد نشاط “داعش”؟
في الخلاصة، الأمورُ بحاجة إلى ضبطٍ كبير، واتخاذ القوى الأمنية خيار رفع الجهوزية اعتباراً من الأسبوع الماضي لم يأتِ بالصدفة، فأحداث عين الحلوة شرعت الأبواب أمام سيناريوهات خطيرة.. والسؤال: هل سيجري ضبطها بسهولة أم أننا سنعود إلى مُربع التفجيرات والعمليات الإنتحارية؟