غيّب الموت ناشر صحيفة “السفير” الصحافي طلال سلمان، الذي أراد ان تكون صحيفته “صوت الذين لا صوت لهم”، فعمل طوال عمله الصحافي على أن يكون هذا الشعار واقعًا جسّده في تعاطيه اليومي مع جميع الذين عايشوه، داخل الصحيفة وخارجها.
بشخصيته الفريدة وبصوته المميز استطاع الراحل، الذي صرعه المرض، أن يحظى باحترام جميع الذين كانوا يؤيدون نظرته السياسة كما الذين لم يكونوا يتفقون معه.
فهو كان ملتزمًا حتى العظام بما كان يؤمن به، وبما كان يجاهد من أجل تحقيقه، فكانت صحيفة “السفير” منبر حوار مفتوح ومن دون شروط، وكانت تحمل ما بين صفحاتها نفسَه، فكانت مميزة في التصويب والتشخيص وحتى الانتقاد.
لم يكن يعرف طلال سلمان أن يمالق أو يساير. كان يقول رأيه بكل صراحة وجرأة وموضوعية واتزان، ولكن من دون تجريح.
عدوه الأوحد كانت إسرائيل وما تمثله من خطر على القضية الفلسطينية ولبنان.
حاربها ببسالة بقلم من رصاص، ولم يطلق عليها طلقة واحدة. لكن كلماته و”منشتات” “السفير” كانت كافية لتصيبها في مقتلها.
دافع عن القضية الفلسطينية كأنها واحدة من أبنائه، وكان يطالب بأن تكون القضية الوحيدة للعرب.
حاور الجميع وكان في حواره راقيًا، ولكن من دون مهادنة، حتى ولو أن رأيه لم يكن يعجب كثيرين. مات طلال سلمان مرتين: الأولى عندما أجبرته الظروف الاقتصادية على اقفال صحيفة “السفير”، والثانية عندما أطبق عينيه عن عالم أحبّه حتى النفس الأخير، وكانت له فيه بصمات مشرقة.
ولد طلال سلمان في بلدة شمسطار عام 1938، والده إبراهيم أسعد سلمان، ووالدته فهدة الأتات، وتزوّج عام 1967 من عفاف محمود الأسعد، من بلدة الزرارية في جنوب لبنان، ولهما: هنادي وربيعة وأحمد وعلي. في أحدث مؤلفاته “كتابة على جدار الصحافة” (دار الفارابي، 2012) وهو أقرب إلى الجزء الأول من سيرة حياة يصف طلال سلمان خطواته على الطريق إلى الصحافة بمقدار ما يصف حال الصحافة اللبنانية وتطوّر مسيرتها لتصير “صحافة العرب الحديثة”.
أما مسيرته فمسيرة شاقة، بدأت في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي لـ “واحد من متخرجي بيروت عاصمة العروبة” كما يصف نفسه في سيرته، استهلها مصحّحاً في جريدة “النضال”، فمخبراً صحافياً في جريدة “الشرق”، ثم محرراً فسكرتيراً للتحرير في مجلة “الحوادث”، فمديراً للتحرير في مجلة “الأحد”.
وفي خريف العام 1962 أصدر في الكويت مجلة “دنيا العروبة”، ليعود إلى بيروت ليعمل من جديد في “الصياد” و”الأحد” حتى تفرّغ لإصدار “السفير” في أواخر العام 1973، وهو عضو مجلس نقابة الصحافة اللبنانية منذ العام 1976. اشتهر أيضاً بحواراته العميقة مع غالبية الرؤساء والمسؤولين العرب.
كان الرأي العام يترقب افتتاحياته اليومية بعنوان “على الطريق”، والتي تميّزت بالوضوح السياسي وصلابة الموقف.
ويترقبّه بحماسة مماثلة في “نسمة”، الشخصية التي ابتدعها في “هوامش” يوم الجمعة، وهي شخصية ذات دفء وجداني حميم ترسم “بورتريهات” للمسرح السياسي والثقافي والأدبي، وتصوّر صدق المشاعر الإنسانية وشغفها بالحياة وحماستها لها ولأخلاقيات الذوق الرفيع.
تميّزت شخصيته كإعلامي بمزيج من رهافة الوجدان السياسي والصلابة في الموقف، ما عرّضه إلى ضغوط متزايدة بلغت أوجها في نجاته في 14 تموز 1984 من محاولة اغتيال أمام منزله فجراً تركت ندوباً في وجهه وصدره.
ومع غيابه يخسر لبنان وجهًا صحافيًا ألمعيًا، ستفتقده الصحافة اللبنانية من بين الأسماء الكبار. أسرة “بيروت نيوز” تتقدم من عائلة الراحل بأحر التعازي سائلة المولى أن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله ومحبيه العزاء والصبر والسوان.