بعد شهرين من الآن يَطوي الشغور في سدّة الرئاسة الأولى عامه الأول. فلا مؤشرات واضحة تلوح في أفق الاتصالات الجارية على غير هديٍ، وهي تدور في حلقة مفرغة وفي مراوحة قاتلة.
فلا ما يسمّى بـ “الفريق الممانع” مستعد للتنازل عن مرشحه، وكذلك يفعل الفريق المسمّى “معارضة”.
كل واحد منهم “يتمترس” خلف مواقف يعتبرانها، كلٌ من موقعه وتموضعه، خشبة الخلاص، وأن أي كلام آخر بالنسبة إليهما هو بمثابة مضيعة للوقت، من دون أن يحتسبا ما ينتظر اللبنانيين في نهاية أيلول، خصوصًا إذا لم يُوفق الوسيط الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في مهمته، التي يُقال إنها ستكون الأخيرة كمسعىً جدّي من قِبَل الدولة الفرنسية، التي تحاول ما استطاعت إليه سبيلًا لإحداث خرق في الجدار الرئاسي، الذي تتزايد سماكته يومًا بعد يوم.
فشهر آب يودّع أيامه الأخيرة، وكذلك سيكون حال شهر أيلول، على رغم أن بعض المراقبين لا يزالون يعتقدون أن في هذا الشهر ستُرسم الحدود الفاصلة بين الفراغ الرئاسي وبين بداية مسيرة التعافي، وهي مسيرة طويلة، وتحتاج إلى رجال دولة، وإلى من أثبتوا بالممارسة والحكمة أنهم قادرون على قيادة السفينة ومجابهة العواصف والأمواج العاتية.
إلا أن نهاية أيلول ستكون ثقيلة على كثير من اللبنانيين، الذين تنتظرهم استحقاقات داهمة، وليس أقّلها الأقساط المدرسية، مع تخّوف متنامٍ عن مصير العام الدراسي حتى في المدارس الرسمية، التي تعاني أيضًا ما تعانيه المدارس الخاصة.
فالأقساط هذه السنة نار. وإذا أردنا أن نغوص قليلًا في عالم الأرقام نرى أن الوالدين، الذين لديهم ثلاثة أولاد مثلًا، مطلوب منهما تأمين ما يقارب الستة الآف دولار في السنة، يقابلها مبلغ مماثل بالليرة اللبنانية.
أي أن ربّ العائلة عليه أن يؤمّن نحو ألف دولار كل شهر مقابل تحصيل أولادهم العلم، الذي أصبحت تكلفته مجبولة بالعرق والدم.
وإذا أردنا أن نحصي الذين يتقاضون مرتبًا يقارب الألف دولار شهريًا قد لا نجد كثيرين قادرين على تأمين نصف هذا المبلغ، من دون أن نلحظ مدى صعوبة الحصول على “الكفاف اليومي” لدى كثيرين من أبناء الشعب، والذين كانوا يصّنفون في خانة الطبقة الوسطى، التي انضمّت إلى الطبقات الكادحة والفقيرة.
هذا الهمّ يوازي بقلقه ما عداه من هموم أخرى.
ومع هذا فإن قليلًا من المسؤولين من يعير هذه المعضلة الاهتمام الكافي، مع ما يجرّه عدم التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي بجدّية، ومع غيره من الاستحقاقات، من ويلات ومصائب.
فـ “الفريق الممانع” كما “الفريق المعارض، وهما تسميتان قد لا تنطبقان على الواقع، ماضيان في سياسة المزايدات، التي لن تقدّم ولن تؤخرّ في المعادلات القائمة على أرض والواقع، وهي تُترجم بأن لا رئيس للبنان.
ومع غياب هذا الرئيس يغيب دور المؤسسات الأخرى، من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإدارية وأمنية، خصوصًا أن ما تعيشه المؤسسات الأمنية من ظروف اقتصادية مزرية ينذر بعواقب وخيمة ما لم يتم تدارك ما تعانيه مؤسسة الجيش من نقص لوجيستي قد يحول دون تمكّن عناصرها من القيام بواجباتهم الوطنية كما كانوا يفعلون على امتداد السنوات العجاف من دون تذمرّ أو تكدّر.
وهذا ما يُسجل للقيادة العسكرية، التي استطاعت أن تحافظ على تماسك المؤسسة في أدق الظروف وأصعبها.
وهذا ما يؤهلها لأدوار وطنية في حجم الآمال وفي حجم المسؤوليات.
وفيما الجيش يجاهد ويكافح ويصمد نرى بعض السياسيين، الذين لا يستهويهم لا الجهاد ولا الكفاح ولا الصمود، يتصرّفون وكان البلد لا يزال قطعة من الجبنة المعدّة للتقاسم حصصًا ومغانم.