على الرغم من أنّ هناك في الأوساط السياسية من “نعى سلفًا” مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، من دون انتظار زيارته المفترضة في شهر أيلول المقبل، والتي سبق أن وصفها الرجل نفسه بـ”الفرصة الأخيرة”، فإنّ لا حديث في الكواليس سوى عن هذه الزيارة، و”السيناريوهات” التي قد تنطوي عليها، بين من يعتقد أنها ستكون مجرد “جولة” في سياق طويل، ومن يتكهّن بأنّها ستكون “نهاية” المبادرة الفرنسية.
Advertisement
وإذا كانت “الرسالة” التي وجّهها لودريان في وقت سابق إلى النواب “تستحوذ” على الحيّز الأكبر من النقاش، مع ما أثارته من جدل، وصل ببعض النواب إلى اعتبارها “سابقة” في العلاقات، بل “إهانة” لشخص النواب، فإنّ “اجتماع العمل” الذي سبق أن أعلن عنه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في ختام زيارته الأخيرة يتصدّر “الأجندة”، وسط تساؤلات فعلية عن “مصيره” في ضوء المواقف والأحداث “الفاصلة” بين الموعدين.
في هذا السياق، تترقّب الأوساط السياسية بحذر ما يمكن أن ينتج عن الزيارة، فهل يمضي لودريان بـ”فرصته الأخيرة”، إن جاز التعبير؟ وكيف يواجه الاعتراضات والتحفظات التي يُواجَه بها، خصوصًا في ضوء الاعتقاد بأنّ كتلاً عدّة لن تردّ على رسالته من الأساس، ولو أنّ كتلاً أخرى باشرت بعملية الرد؟ هل يمكن أن يدعو إلى حوار “بمن حضر”، مهما كانت النتائج؟ ماذا عن سيناريو “الانكفاء الفرنسي” الذي لا يستبعده البعض بعد الزيارة؟
“أجندة” الزيارة و”سيناريوهاتها”
في وقت يقول العارفون إنّ أيّ تغيير لم يطرأ “مبدئيًا” على عناوين زيارة لودريان المفترضة إلى لبنان في شهر أيلول، خلافًا للتسريبات الإعلامية التي تحدّثت في الأيام القليلة الماضية عن إمكانية “تأخيرها” إلى نهاية أيلول، يدعون إلى “التريّث” في مقاربة “سيناريوهاتها”، باعتبار أنّ “أجندتها” لا تزال غير واضحة، ولا سيما أنّ لودريان لم يحدّد أساسًا طبيعة “اجتماع العمل” الذي تحدّث عنه سابقًا، ولا لائحة “المدعوّين” للمشاركة فيه.
وإذا كانت “رسالة” لودريان لقيت أصداء سلبية في بعض الأوساط السياسية، فإنّ “الثابت” أنّ القول إنّ القوى السياسية لم تتجاوب معها لا يبدو دقيقًا، إذ إنّ بعض الأفرقاء إما يحضّرون أجوبتهم، وإما أرسلوها إلى السفارة الفرنسية، في حين أنّ عددًا آخر لا يزال “متردّدًا”، تمامًا كما أنّ هناك من اتخذ قراره بعدم الردّ، علمًا أنّ لودريان سبق أن سمع إجابات هؤلاء شفهيًا، وقد يسمعها مرّة أخرى متى يعود، في حال لجأ إلى مشاورات ثنائية.
يرى العارفون أنّ فكرة الحوار “بمن حضر” انطلاقًا من ذلك، تبدو سابقة لأوانها، علمًا أنّ الأفكار المطروحة تشمل إمكانية الذهاب إلى حوارات “مصغّرة” إذا ما كان الحوار “الجامِع” مستعصيًا، بمعنى أن يلعب لودريان دور “الوسيط” في هذا السياق، في وقت لا يبدو محبّذًا لفكرة حوار “أحادي” يقتصر على طرف دون آخر، لأنّه بذلك سيكرّس تموضعًا فرنسيًا “منحازًا”، وهو ما تسعى باريس منذ تكليف لودريان بالشأن اللبناني لنكرانه.
“الفرصة الأخيرة” لفرنسا؟
في زيارته الأخيرة إلى لبنان، قال موفد الرئيس إيمانويل ماكرون إنّ اجتماع العمل الذي سيدعو إليه في شهر أيلول سيكون “الفرصة الأخيرة” أمام اللبنانيين، لكن ثمّة في الأوساط السياسية من “يقلب” المعادلة ليتحدّث عن أنّ “الفرصة الأخيرة” قد تكون للودريان نفسه، الذي يستعدّ لمهمّة عمل أخرى في شهر تشرين الأول المقبل، بل ثمّة من يرى أنّها “الفرصة الأخيرة” لفرنسا نفسها، باعتبار أنّها ستعلن “الانكفاء” إذا ما فشلت في إحداث أيّ “خرق”.
يقول العارفون إنّ لودريان قد يعود في هذا الإطار إلى جملته السحرية التي ردّدها مرارًا وتكرارًا منذ زياراته إلى بيروت حين كان وزيرًا للخارجية، أي “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”، وبالتالي فهو سيعتبر مع نهاية هذه الزيارة أنّه فعل كلّ ما بوسعه لمساعدة اللبنانيين، لكنّهم رفضوا أن يتلقّفوا المساعدة، ووضعوا العراقيل في وجهه، فكانت النتيجة “فشلاً” لا لباريس كما يحاول البعض تصوير الأمر، ولكن لمهمّة “الإنقاذ” اللبنانية.
صحيح أنّ هناك من بدأ في هذا السياق يتكهّن بسيناريوهات مرحلة “ما بعد المبادرة الفرنسية”، وسط حديث عن احتمال دخول لاعبين آخرين على الخط، لكنّ الأكيد أنّ “الانكفاء الفرنسي”، إذا ما وقع، سيكون له تبعات على أكثر من مستوى، وفق ما يقول العارفون، ولا سيما مع الأهمية التي أعطتها باريس للملف اللبناني، ما يخشى معه كثيرون أن يؤدي “الفشل” إلى تغيير واسع في المقاربة والنهج، قد لا يكون في صالح لبنان على المدى الطويل.
بين المشاورات الثنائية “المغلقة”، والحوار “بمن حضر”، وإعلان “الفشل”، تتفاوت “السيناريوهات” التي يتكهّن بها البعض في قراءة لزيارة لودريان المقبلة إلى لبنان، وإن تقاطعت على كونها بالمجمل “متشائمة”، يضاف إليها سيناريو أكثر “سوداوية” يقضي بإلغاء لودريان زيارته من أساسه، لتلتحق ربما بزيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الشهيرة، التي لا تزال منذ أكثر من سنتين بحكم “المؤجّلة”، ما يعكس “إحباطًا فرنسيًا” من لبنان!