كتب جورج شاهين في” الجمهورية”:
التوقف عند زيارتي كل من الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان، يكتسب أهمية تفيض عن الوفود الأخرى. وإن كان التزامن جمع موفدين، أميركي وإيراني في بيروت، فقد اعتُبرت زيارتيهما وجهين لأزمة واحدة. وعليه، ما هي المؤشرات لهذه المعادلة؟
أبرزت زيارتا كل من هوكشتاين وعبد اللهيان خلافاً كبيراً في النظرة إلى الوضع في الجنوب اللبناني وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة. ففيما يطالب الأول بالهدوء والاستقرار، ضماناً لأمن البر والبحر ومحيط آبار النفط المستثمرة في حقل كاريش ومحيطه في الجانب المحتل من فلسطين، وتلك التي تخضع للاستكشاف في البلوكين 8 و9 اللبنانيين، يؤكّد الطرف الثاني المواجهة مع اسرائيل انطلاقاً من أرض الجنوب اللبناني كما بقية الساحات المواجهة لها. وقد تطورت المواقف التي أطلقها عبد اللهيان من بيروت، بإعلانه الدعم للمنظمات الفلسطينية في الداخل المحتل سواء في الضفة أو غزة، ويبارك أي تحضيرات أمنية في الجنوب اللبناني تقوم بها المقاومة لدعم الحقوق الفلسطينية، في إشارة واضحة الى انّ مبدأ “وحدة الساحات” في دول الجوار الاسرائيلي ما زال هدفاً ايرانياً، وإن كانت بعض المؤشرات قد دلّت إلى انفراط عقد هذه الوحدة.
وما يعزّز هذه النظرية المتصلة بالموقف الإيراني من الوضع في فلسطين، انّ عبداللهيان أعطى إشارة بالغة الدقّة والوضوح عندما قدّم لقاءه بممثلي الفصائل الفلسطينية التي تواليها ايران وتمّولها، والتي تناصب العداء للسلطة الفلسطينية بعد اسرائيل، فور وصوله إلى بيروت في الساعات الأولى لزيارته قبل لقائه الليلي مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، ولقاءاته العلنية مع المسؤولين الرسميين اللبنانيين في اليوم التالي لزيارته. وهو ما يعزّز الإنشقاق الفلسطيني الذي ظهر جلياً في ما بينها بالتقسيط وعلى مراحل، بدأت منذ ان خاضت حركة “الجهاد الاسلامي” ومعها فصائل صغيرة تُحتسب على لائحة أصدقاء محور الممانعة، المواجهة الاخيرة قبل أشهر عدة في غزة.يبقى واضحاً انّ لبنان لم يكسب من الزيارتين سوى ثابتة وحيدة، تقول انّ استمرار الحديث على مستوى أطراف “لقاء باريس الخماسي” على المواصفات الرئاسية الغامضة، من دون الغوص في الاسماء الرئاسية، سيطيل فترة الفراغ الرئاسي. وإن صحّت الاتهامات الفرنسية لطهران بإعاقة اي تفاهم، يعني انّ هناك منزلقات صعبة ستدخلها البلاد، وأولى ضحاياها مهمّة لودريان الذي تعرّض لمكمن آخر، عندما وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الاول الدعوة الى طاولة حوار تضمّ 15 شخصية من رؤساء الكتل النيابية وأعضائها، لا يريد ان يتبنّاها لودريان.
وبناءً على كل ما تقدّم، يتبين انّ مفتاح الأزمة، في ظلّ انكفاء واشنطن عن التدخّل المباشر في الاستحقاق، هو في يد طهران، إن تدخّلت لحلحلة موقف “الثنائي الشيعي” للبحث في مرشح توافقي، قالت لم ولن تقبل أن يشكّل تحدّياً للرياض، وهو أمر لم تظهر معالمه بعد من زيارة عبد اللهيان، إن كان قام بهذه المهمّة المستبعدة. وإلى حين تبيان الخيط الأبيض من الأسود، يمكن ان تكون الصورة أوضح.