مبادرة بري وحراك لودريان.. بين التكامل والتناقض!

5 سبتمبر 2023
مبادرة بري وحراك لودريان.. بين التكامل والتناقض!


 
عندما أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري آخر حلقات سلسلة مبادراته الحواريّة، في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، اعتبر كثيرون أنّه “لاقى” الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في منتصف الطريق، مستبقًا عودته المرتقبة خلال الشهر الجاري، بعدما تعرّضت مهمّته للسهام من الأقربين قبل الأبعدين، بل إنّ هناك من تحدّث عن “تنسيق” بين الجانبين، باعتبار أنّ بري لا يريد “قيادة” الحوار في ظلّ الظروف الحاليّة.

Advertisement

 
ومع أنّ في صفوف المقرّبين من بري من نفى مثل هذا “التنسيق”، مشدّدين على أنّ مبادرة رئيس مجلس النواب “مستقلة” عن كلّ ما عداها من وساطات، ولو “تقاطعت” مع غيرها في العنوان الحواريّ، إلا أنّ المفاجئ، وربما “الصادم” تمثّل في بعض ردود الفعل، ولا سيما من عدد من “خصوم” بري، الذين رأوا في مبادرته “ضربًا” للمساعي الفرنسية، بل تحدّثوا عن “رسالة إيرانية” لباريس عبر بري، في خضمّ التوتر القائم بينهما.
 
وفي وقت يعرف القاصي والداني أن زيارة لودريان المرتقبة ستكون “وداعية”، وهو الذي سبق أن وصفها بـ”الفرصة الأخيرة”، من دون أن يعني ذلك “انتهاء” الدور الفرنسي بالمطلق، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فهل أتت مبادرة بري فعلاً لـ”فرملة” المساعي الفرنسية، وللقول إنّه “أب الحوار”، أم أن الأمر على النقيض، وأنّ المبادرتين تتلاقيان لتؤكدا على أن “لا بديل عن الحوار” بمعزل عن كلّ التفاصيل والخلفيات؟!
 
أين “التناقض”؟! 
يستغرب المتحمّسون لمبادرة رئيس مجلس النواب، وقبله جهود الموفد الرئاسي الفرنسي، ما حُكي عن “تناقض” في جوهر الفكرتين، ولا سيما أنّهما تقومان على المفهوم نفسه وهو الحوار، علمًا أنّ رئيس مجلس النواب يُعرف عنه دعوته الدائمة وفي كل الظروف إلى الحوار، وقد سبق له أن دعا الأفرقاء مرّتين منذ الشغور الرئاسي إلى الجلوس على الطاولة في سبيل التوافق والتفاهم، لكنّ مسعاه جوبه بتحفّظ الأطراف المعنيّة بالرئاسة قبل غيرها.
 
ولأن البعض سارع إلى “نعي” الفرصة الأخيرة التي تحدّث عنها الموفد الرئاسي الفرنسي، بعدما تعمّدوا استباق زيارته لتسريب الأجواء “التشاؤمية”، متذرّعين بالرسالة التي توجّه بها إلى النواب، جاءت مبادرة بري لا لتجهض الوساطة الفرنسية، بل لـ”تنعشها” وفق ما يقول أصحاب هذا الرأي، ممّن يشيرون إلى أنّ رئيس المجلس أعاد “الروح” إلى فكرة الحوار، خصوصًا بعدما حدّده صراحةً بسبعة أيام، تعقبها جلسات انتخابية متتالية.
 
وفيما يسأل هؤلاء عن “التناقض” الذي قرأه البعض بين الفكرتين والمبادرتين، ولا سيما أولئك الذين ربطوا الحوار في لبنان، بالتطورات الإقليمية، والأزمة الفرنسية الإيرانية التي لا تجد صدى لها في لبنان، يشدّدون على أنّ “التكامل” هو الأقرب إلى الواقع، خصوصًا أنّ بري سبق أن أعلن “تنحّيه” عن قيادة الحوار لكونه أصبح “طرفًا”، وهو ما لم يتغيّر عمليًا، ولو بالغ البعض في تفسير عدم إشارته إلى رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في خطابه الأخير.
 
الدور الفرنسي في لبنان 
أبعد من هذه التفسيرات المتباينة وربما المتناقضة، ثمّة من يقول إنّ بري كما لودريان، أراد القول إنّه “فعل ما عليه وأكثر”، وإنّ المسؤولية تقع على عاتق من يرفضون فكرة التحاور، على الرغم من أنّ كل الوقائع تؤكد أنّ “لا بديل” عنه، ولا سيما أنّ “الاحتكام للدستور”، والذهاب إلى انتخابات “ديمقراطية” عبر صناديق الاقتراع، يصطدم بسلاح “تعطيل النصاب” الذي شرّعه الفريقان المتنازعان، كلّ وفق مصلحته وهواه.
 
وإذا كان هناك من يضع مبادرة بري في سياق ردّه على من وصفهم في خطابه بـ”الوشاة”، وبالتالي سعيه لإبعاد سيف العقوبات عن كاهله، فإنّ الثابت وفق ما يقول العارفون هو أنّ الفرنسيّين لا يجدون في مبادرته أيّ “رسالة” موجّهة إليهم، علمًا أنّ “التشاور” بقي قائمًا حتى اللحظة الأخيرة بينه وبين الوسيط الفرنسي، الذي تميّزت زيارته الأخيرة إلى لبنان بلقاءين مع بري، واحد افتتاحي وآخر اختتامي.
 
أكثر من ذلك، يقول العارفون إنّ لودريان يتلقّى النصائح والتوصيات من بري حول الحوار الذي يزمع رعايته، ومن بينها “تقليص” عدد المدعوّين إليه، ويشدّدون انطلاقًا من ذلك على أنّ الحديث عن أنّ بري يسعى لـ”تقويض” المبادرة الفرنسية، بل “إنهاء” الدور الفرنسي في لبنان مردود، ليس فقط لأنّ فرنسا متمسّكة بهذا الدور أكثر من أيّ وقت مضى، ولكن لأنّ “الغيارى الجدد” هم الذين يعرقلون مهمّتها، ويقوّضون مساعيها.
 
انشغل الكثيرون، وخصوصًا في أوساط المعارضة، بتحليل العلاقة بين مبادرة بري وحراك لودريان، على الرغم من “التقاطع” الظاهر بينهما، ليصلوا إلى خلاصات واستنتاجات قد تقترب أو تبتعد عن الواقع. إلا أنّ ما هو ثابت فهو أنّ الحوار، بنسختيه اللبنانية والفرنسية، لا يزال “بعيد المنال”، ما يفتح الباب أمام المزيد من علامات الاستفهام، فأيّ “أفق” للأزمة وسط هذه “المعمعة”، وما هو البديل عن الحوار “على البارد”؟!