واثقون أن لبناننا سيخرج من هذه المحنة أكثر صلابة

5 سبتمبر 2023
واثقون أن لبناننا سيخرج من هذه المحنة أكثر صلابة


شدد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خلال افتتاح العام الدراسي 2023-2024 في مدرسة مار الياس بطينا الثانوية، على وجوب مواجهة “التحديات” التربوية القائمة.وأوصى في كلمته في المناسبة بعد انضمام المدرسة أيضا إلى مجموعة “غلوبال إديوكايشن”: “لا تُثقلوا كاهل الأهالي وصونوا كرامة المعلم والعامل في المدرسة، وحافظوا على جودة التربية”.

وتلا الأب بورفيليوس جورجي كلمة المطران عودة، مؤكدا ان “كنيستنا الأرثوذكسية تتطلع الى خدمة الإنسان في لبنان. والخدمة كما يعلمنا السيد في إنجيله المبارك تعهد للإنسان واحتضان له، من أي خلفية أتى، وفي كل ظروف حياته، واحتياجاته وتطلعاته وآماله”.
وأضاف: “لقد تجسد ابن الله لكي يعلمنا الخدمة الحقيقية: أن نحب أخانا الإنسان، أن نحيا معاناته ونشاركه أشجانه وآلامه وتعزياته وأفراحه.. فيرتاح ويقبل الخدمة والعطاء. هذا ما تصبو إليه مطرانيتنا في بيروت من خلال عمل مؤسساتها: خدمة عالية الجودة بروح الوداعة والبذل والتفاني”.
وتابع: “في الماضي، حركت المحبة والغيرة الحسنة بعض أبناء محلتي المزرعة والمصيطبة، من مؤسسي حركة التضامن الأرثوذكسي، إلى استمداد بركة الرب على يد سلفنا المثلث الرحمة المتروبوليت إيليا الصليبي من أجل تأسيس صرح علمي في رحاب دير النبي إيلياس بطينا. كان الدير مهجورا لزمن طويل قبل أن يعاد ترميمه في عهد محمد علي باشا. وكان أن انطلقت في العام 1953 مسيرة عمل كلية مار الياس بطينا. مديرها الأول كان الأستاذ حليم نهرا، الأرشمندريت تريفن لاحقا، الذي يعرفه جيدا أبناء هذه المنطقة العزيزة من بيروت، والذي عمل بتفان لجعل هذه المدرسة في عداد المدارس التي تتقن رسالتها. وقد أنشأت هذه المؤسسة العريقة أجيالا متتالية من شخصيات لبنان المبرزة التي تميّزت بحب الوطن وخدمة الإنسان. وقد أعطتنا كبارا تبوأوا أعلى المناصب في مجتمعنا والمحيط العربي والغرب. ومسيرة عمل المدرسة كانت مؤلمة زمن الحرب في لبنان. فقد تعرضت للأذى والتدمير نتيجة القصف الإسرائيلي والاشتباكات، ولكنها تجلت في زمن الضيق مثالا للصمود، صمود المؤمنين برسالتها التربوية وبنور المسيح الذي يبدد كل ظلمة. لذا تابعت المدرسة مسيرتها وفي بداية الثمانينات من القرن المنصرم، العام 1984 عملنا على تأسيس فرع للمدرسة في حرم كنيسة مار الياس في المصيطبة، الى أن استقلت تلك المؤسسة عن المدرسة الأم ابتداء من العام 1987. كما وإننا حرصنا على أن نفتح في حرم مار الياس بطينا معهدا فنيا، لإسداء التعليم المهني والفني في اختصاصات متنوعة، فأدى المعهد رسالته التربوية بنجاح لسنوات متلاحقة، وأثمر قبل أن تحول ظروف الحرب دون استمراره”.
وقال: “بعد الحرب سهرنا على نفض الغبار عن المدرسة، وإزاحة آثار التدمير والأذى فيها. فاكتمل في العام 2000 بناء الصفوف الحديثة، وبذل جهد كبير في تطوير مناهج التدريس وآليات العمل التعليمي. وقد حازت المدرسة شهادة الجودة في تعليم اللغة الفرنسية Label France éducation اعترافا بمستوى التعليم فيها. كذلك  طلبنا ترخيصا لإنشاء فرع للغة الإنكليزية ايضا وقد بدأ العمل فيه بنجاح. ولطالما كانت رسالة مدرسة مار الياس بطينا أرثوذكسية وطنية”.
 
وأضاف: “هي تنتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وتستمد منها الرؤية للخدمة والانفتاح والسعي الدائم نحو الأفضل. وهي وطنية كانت منذ البدء وما زالت في خدمة لبنان وكل أبنائه الذين يقصدونها من كل الخلفيات الدينية والاجتماعية لينهلوا من قيمها ومنابع العلم فيها. هي من لبنان ولكل لبنان، ككل مؤسسات الكنيسة الأرثوذكسية التي تحافظ على أصالتها وتنهل من منابعها لتروي أبناء الوطن. وقد آن الأوان، كما في محطات سابقة من تاريخ المدرسة، لتطوير العمل وآلياته… ولذا ارتأينا أن نولج العمل الإداري لشركة Global Education  المختصة بالتحديث التكنولوجي. هذا يعني أن مدرسة مار الياس بطينا ستبقى تابعة لأبرشية بيروت، وواحدة من المدارس التي تعمل بإشراف المطرانية وإرشادها، وتكمل الرسالة التي أنشئت من أجلها”.وأكد: “لطالما كانت أبرشية بيروت سباقة في مجال التعليم، وأولى المؤسسات التربوية في بيروت كانت مدرسة الثلاثة الأقمار التي أسسها أسلافنا في بداية القرن التاسع عشر. تلتها أول مدرسة لتعليم الفتيات: مدرسة زهرة الإحسان، المؤسسة سنة 1880. ومن ثم كرّت السبحة حتى أصبح عدد مدارسنا في بيروت خمسة تتنافس في تقديم الأفضل”.

وتابع: “للأسف، أُصيبت مدارسنا في تفجير مرفإ بيروت صيف 2020، ما حتم علينا عملا شاقا من أجل بناء ما تهدم وترميم ما تضرر. واجهنا، وما زلنا نواجه بشجاعة وإيمان، الكثير من التحديات الاقتصادية والمادية من أجل استمرار كافة مؤسساتنا، والتربوية منها في شكل خاص، في خدمتها وتأدية رسالتها الكنسية والوطنية على أكمل وجه. نحن ندرك أن صعوبة الاستمرار في المدارس تطال الإدارة والمدرسين والطلاب. لذا حددنا أولوياتنا في نقاط ثلاثة:أولا: ألا نثقل كاهل أهالي المتعلمين.ثانيا: أن نصون كرامة المعلمات والمعلمين والعاملين في المدرسة ورسالتهم السامية.ثالثا: أن نحافظ على جودة العمل في التعليم والتربية ومستوى المؤسسة المرموق”.
وختم: “إنها تحديات كبيرة لكننا، بمعونة الرب، وبتضافر جهود جميع الأحبة العاملين معنا، سنتخطى الصعاب، إلى أن ينبلج فجر جديد على لبنان، هذا البلد الذي شاءنا اللهُ أن نولد فيه ونعمل من أجله، ونحن حافظون العهد والأمانة. رجاؤنا بالرب خالقنا كبير، ومهما طالت الشدة لا بد من نهاية لها. نحن واثقون أن لبناننا سيخرج من هذه المحنة أكثر صلابة وأشد منعة بفضل شباب أُنشئوا على حب الوطن وعلى الوفاء له وخدمته بنزاهة وعلم وتفان، من دون مصلحة ومن دون غايات مخفية. لقد آن الأوان ليتسلم قيادة هذا البلد جيل عملت مدارسنا، وسواها من المدارس، على تلقينه، مع العلم، الإيمان والمحبة والوطنية والنزاهة واحترام الإنسان، والمحافظة على القيم والأخلاق. فعوض تهجير طاقاتنا البشرية، وتضييق فرص العمل والإبداع أمامهم، أليس حري بنا أن نسلمهم الأمانة، ونعطي وطننا فرصة الاستفادة من علمهم والتقدم بفضل طموحهم وتطلعاتهم؟.  نصلي إلى الرب الإله أن يبارك إدارة المدرسة والعاملين فيها مع التلاميذ وذويهم. وندعو للجميع بسنة دراسية مثمرة ومباركة. حفظكم الرب جميعا في خدمة الكنيسة ولبنان”.