حراك دبلوماسي نَشِط في بيروت.. هل اقترب الفرج؟!

6 سبتمبر 2023
حراك دبلوماسي نَشِط في بيروت.. هل اقترب الفرج؟!


 
من دون مقدّمات، نشطت الحركة الدبلوماسية في العاصمة اللبنانية بيروت، التي استضافت بالتزامن موفدًا أميركيًا هو كبير مستشاري الرئيس جون بايدن، آموس هوكشتاين، وآخر إيرانيًا هو وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، فيما تستعدّ لاستقبال موفد ثالث من فرنسا، هو وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان، الذي تُرتقب زيارته الثالثة، وربما “الثابتة”، ولو اتفق كثير من المتابعين على توصيفها بـ”الوداعية” بشكل أو بآخر.

 
وبين الموفدين الأميركي والإيراني والفرنسي، يستمرّ الحديث عن وساطات ومبادرات تدخل قوى دولية وإقليمية على خطّها، خصوصًا في ملف استحقاق رئاسة الجمهورية الذي يقترب من إحياء ذكراه السنوية الأولى، حيث يُحكى في الأوساط السياسية عن دور بارز تلعبه دولة قطر تحديدًا، التي تتحضّر لاستكمال الطريق بعد “انكفاء” اللاعب الفرنسي، ولا سيما مع وصول السفير القطري الجديد إلى البلاد، على الرغم من الفراغ الرئاسي المستمرّ.
 
وإذا كانت هذه “الهجمة الدبلوماسية”، إن جاز التعبير، تأتي في وقت يستمرّ الجمود، بل يسود التشاؤم على خط قدرة الأفرقاء على إحداث الخرق الموعود، بعدما اصطدمت مبادرة الرئيس نبيه بري المتجدّدة بتحفّظات واعتراضات قوى المعارضة، فإنّها تفتح الباب أمام علامات استفهام بالجملة، فما الذي يؤشّر إليه الحراك المستجدّ على الساحة اللبنانية؟ هل يبشّر بالخير لجهة قرب “الفرج”، أم أنه يندرج في خانة “جسّ النبض” لا أكثر ولا أقلّ؟!
 
“رسائل متباينة” 
يقول العارفون إنّ الحراك الدبلوماسي الذي نشط على الساحة اللبنانية في الأيام الأخيرة أكثر من “لافِت”، ولو أنّ الرسائل التي يحملها بين طيّاته “متباينة” وفق الانطباعات الأولية، فما يحمله الموفد الفرنسي الذي تُنتظَر عودته في غضون أيام، ليس نفسه ما حمله الموفد الأميركي أو الإيراني في زيارتيهما المتزامنتين، ولا نفسه الذي يحمله “شريكه” في “الخماسية الدولية”، أي القطري، والذي يقال إنّ “مقاربته” للملف الرئاسي ستكون مختلفة في الشكل والمضمون.
 
في هذا السياق، يشير العارفون إلى “دلالات” ينبغي التوقف عندها في زيارة الموفد الأميركي على سبيل المثال، سواء من خلال الصور التي تعمّد تسريبها من بعض المناطق المحسوبة على “حزب الله”، أو بالصورة التي عدّها كثيرون “الأهمّ”، وهي لقائد الجيش العماد جوزيف عون بالزيّ المدني، وهي التي دفعت كثيرين لاستنتاج أن واشنطن توجّه رسالة للقاصي والداني، بأنّها باتت أقرب إلى “تبنّي” ترشيح الأخير للرئاسة، بوصفه المرشح “الأنسب” في هذه المرحلة.
 
في المقابل، فإنّ زيارة الموفد الإيراني لم تنطوِ على “مفاجآت” تُذكَر، بعد كلّ ما أثير في الآونة الأخيرة عن “ضغوط” طُلِب أن تمارسها طهران على “حزب الله” لتليين موقف من استحقاق الرئاسة، لكن تبيّن في النتيجة أنّ المسؤول الإيراني لم يغيّر تموضعه، فأكد أنّ طهران لم ولن تتدخل في الشأن اللبناني، وأنّ “حزب الله” يمتلك قراره الحرّ والمستقلّ، مع تشجيعها الحوار البنّاء بين اللبنانيين من أجل التوافق على انتخاب رئيس، وهو ما يطرحه الحزب أساسًا.
 
هل اقترب “الفرج”؟! 
لا تعني الرسائل “المتباينة” أنّ النشاط الدبلوماسي اللافِت قد لا يحمل عمليًا مؤشّرات على شيءٍ ما “يُطبَخ” في الكواليس، خصوصًا بعدما اتُفِق على اعتبار شهر أيلول “مفصليًا” على خط الملف الرئاسي، وسط احتمالَين “مضادَين” لكيفية التعامل معه، فإما يحصل “الفرج” على أيامه، فيتصاعد الدخان الأبيض من بعبدا، وإما يتكرّس “الفراغ” إلى أجل غير مسمّى، وهو ما استبقه البعض بالحديث عن قدرته على تحمّل استمرار الشغور لأشهر، بل سنوات.
 
يقول العارفون إنّ “الهجمة الدبلوماسية” على لبنان قد تُفسَّر في مكانٍ ما، سعيًا حقيقيًا لإنهاء حالة الفراغ، فإذا كان صحيحًا أنّ الفرنسي “سينكفئ” إذا ما فشلت زيارة لودريان في تحقيق ما يُبنى عليه، كما هو متوقع، فإنّ الأكيد أنّه لن يسلّم البلد لـ”الفراغ”، لأنّ القطري مثلاً يستعدّ لأخذ زمام المبادرة، وسط حديث عن “تنسيق” تقوم به الدوحة مع سائر “الشركاء”، وفي مقدّمهم السعوديّ، ولكن أيضًا الأميركي الذي بات أقرب لها في المقاربة.
 
لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ الحرص الدولي على الحلّ في لبنان، معطوفًا على السعي الإقليمي لإبرام تسوية رئاسية ما، بمعزل عن شكلها ومضمونها، لا يمكن أن يكون كافيًا، فالمطلوب أن يقترن كلّ ذلك بإرادة داخلية حقيقية بالوصول إلى تفاهم، وهو ما لا تبدو مؤشّرته متوافرة حتى الآن، بدليل الردود “السلبية” التي اصطدمت بها مبادرة الرئيس نبيه بري الأخيرة، ولو أنّ البعض يجزم بأنّ الحوار “حاصل” في نهاية المطاف، ولو بمن حضر.
 
قد تبعث “الهجمة الدبلوماسية”، إن جاز التعبير، على التفاؤل لبنانيًا، باعتبار أنّ اللبنانيين اعتادوا أنّ الحلول لأزماتهم يجب أن تأتي “كلمة سرّها” من الخارج، ولو كانت بسيطة ولا تتطلب أكثر من التقائهم وتحاورهم. لكنّ الأكيد أنّ كلّ الاستنفار الدوليّ لا ينفع، إذا لم يكن اللبنانيون مبادرين بالدرجة الأولى، فالحلّ لا يمكن أن يُفرَض فرضًا عليهم، والخارج لا يمكن أن يهتمّ بعلاج أزمة ما لم يكن المعنيّون بها حريصين على ذلك قبل غيرهم!