دخلَ مُخيم عين الحلوة نفقاً مُظلماً جديداً بعد إشتباكات الساعات الماضية بين حركة “فتح” وجماعتيْ “جُند الشام” و “الشباب المُسلم”. التطورّات الميدانية التي حصلت أعقبها إجتماع في مكتب رئيس فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد سهيل حرب بحضور أمين سر “فتح” فتحي أبو العردات وممثّل “حماس” في لبنان أحمد عبد الهادي، ومن خلال هذه الجلسة تم التأكيد على وقف إطلاق النار.
إلا أنه ورغم ذلك، فإنَّ مسار الأمور كشف عن منحى خطيرٍ لا يُمكن التغاضي عنه وسط معلوماتٍ تفيدُ بأنَّ الجماعتين المذكورتيْن ترفضان حتى الآن إخلاء المدارس التي تُسيطر عليها داخل المخيّم رغم أنها وعدت بحصول ذلك يوم الخميس قبل أن تتراجع عن قرارها بحجّة وجود “إنقسام” في صفوفها.
تقولُ معلومات “لبنان24” إنَّ هناك تسريبات وصلت إلى المسلحين تفيدهم بتوقيت لحظة الصفر التي كانت تنوي “فتح” اعتمادها لشنّ عمليتها العسكرية ضدهم، مُشيرة إلى أنَّ تلك اللحظة كانت مُقررة أمس الجمعة وليس يوم أمس الخميس. ولهذا السبب، قررت الجماعات المسلحة إستباق ذلك بشنّ هجوم مباغت ليل الخميس وفتح جبهة قتالية جديدة ليس معروفاً متى ستنتهي.
ما حصلَ ميدانياً يوم أمس يكشفُ أنَّ الإلتزام بوقف إطلاق النار لن يتحقَّق بتاتاً، والهُدنة التي حصلت طيلة 40 يوماً كانت بمثابة “مُهلة” لبدء جولة إشتباكٍ جديدة من شأنها أن ترسم صورة لوضع المخيم خلال المرحلة المقبلة، فإمّا أن يكون هناك إنهاءٌ لوجود المسلحين ودفعهم لتسليم المطلوبين بجريمة اغتيال القياديّ في حركة “فتح” اللواء أبو أشرف العرموشي التي حصلت أواخر شهر تمّوز الماضي، أو تسليم الحركة بالواقع والمضي بتسوية تُجنب المخيم معركة من جهة، وتحافظ على وجود الجماعات المسلحة ضمن إطارٍ محدود من جهة أخرى.
وفي ما خصّ السيناريو الثاني، تؤكد مصادر “فتح” لـ”لبنان24″ إنَّه غير واردٍ بتاتاً، وتقول إنّ “من يُروّج لتسوية على حساب دماء الشهداء فهو واهم، ولن نقبل إلا بتسليم المطلوبين وكل الخيارات واردة”، وأضافت: “كل القوى الفلسطينية تُجمع على خيار تحقيق العدالة ولن نتراجع أبداً عن ذلك وجاهزون لكل السيناريوهات، وأمن المخيم خط أحمر”.
لماذا سيناريو المدارس هو الأكثر ضغطاً؟
فعلياً، أظهرَ ميدان القتال يوم أمس أنَّ مُسلحي “جند الشام” و “الشباب المسلم” اعتمدوا تكتيكاً جديداً في المواجهة، فباتوا يعمدونَ إلى إحراق المنازل واحتلال بعض المباني التي تركها سكانها في إطار نزوحهم من المُخيّم. كذلك، فإنّ المُسلَّحين حاولوا مراراً نقل المعركة باتجاه أكثر من محور وذلك في سبيل تخفيف الضغط عليهم في منطقتي الطوارئ والتعمير، وهذا الأمرُ كان متوقعاً من قبل “حركة فتح” التي عزّزت تواجدها في أكثر من منطقة لاسيما عند أطراف حطين والصفصاف وغيرها من المحاور.
مع هذا، فإن المسلحين حاولوا مراراً خلال ساعات المساء يوم أمس إستفزاز مقاتلي “فتح” من خلال إلقاء أكثر من 10 قنابل يدوية باتجاه مراكزهم، إلا أن الأخيرة التزمت بوقف إطلاق النار التزاماً بقرار هيئة العمل الفلسطيني المشترك الصادر مساء أمس الجمعة.
ووسط ما يجري، كان تمسُّك المسلحين لافتاً على صعيد البقاء في المدارس، والسبب، بحسب مصادر فلسطينية، هو أنها تتميزُ بموقع إستراتيجيّ يمكن أن يكشف معظم أحياء المُخيم والنقاط التي تُسيطر عليها حركة “فتح”. عسكرياً، فإنّ إحكام السيطرة على المدارس يعطي قوة دفع للمُسلَّحين للتحّكم بمسار المعارك، وهو أمرٌ يُعتبره هؤلاء ورقة قوة لهم للسيطرة على المخيم أو فرض شروطهم. وعليه، فإنَّ بقاء المسلحين في المدارس يعني التالي:
1- أولاً إستمرار عملية خطف الصروح التعليمية التي تحاول مختلف القوى الفلسطينية تحييدها عن الصراع لاسيما مع بدء العام الدراسي.
2- إن سعيَ “فتح” لإخراج المسلحين من المدارس هو بندٌ أساسي قبل تنفيذ خطوة توقيف المطلوبين، وبالتالي فإنّ إستمرار إحتلال الصروح التعليمية سيؤخر هذه العملية. هذا الأمر تريدُه الجماعات المسلحة لإبعاد سوط التوقيفات عنها، علماً أنها لن تستسلم بسهولة طالما أنّ هناك جهات تغذيها وتدعمها داخل المخيم وخارجه.
3- إنّ ما يفعله المسلحون يعني إبقاء المخيم قيد التوتر، وبالتالي عدم الوصول إلى نتائج إيجابيّة تنهي الأزمة القائمة أو تساهم في إنطلاق العام الدراسي ضمن المدارس.
4- إنّ ما يجري يؤكّدُ أن التحدّي قائم وكبير لوكالة “الأونروا” التي تسعى عبر إتصالاتها لتجنيب المدارس أي إقتتال إضافيّ قد يُساهم في تدميرها.
ضُمنياً، كان بمقدور حركة “فتح” شنّ الهجوم على المدارس، لكن هذا الأمر سيتسبب بدمارها، وهذا أمرٌ تسعى الحركة لتجنّبه. ولهذا السبب، كان القرار الأساسيّ يرتبطُ بإنسحاب المسلحين من المدارس وحصرهم في منطقتي التعمير والطوارئ قبل شنّ العملية المطلوبة هناك، لكنّ المماطلة من قبلهم كانت الأساس في الموقف.
أمام كل ما يجري، تقول مصادر “فتح” لـ”لبنان24″ إنَّ معركة إنهاء المسلحين لا تتطلب منها أكثر من 24 ساعة، لكن القرار في ذلك لا يقفُ عندها فقط بل عند كافة الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية التي يجب أن تعطي الضوء الأخضر لحصول معركة تطهير مخيم عين الحلوة من الإرهابيين.
ووفقاً للمصادر، فإنّ العمل حالياً داخل المخيم يتمحور حول تعزيز القوة الأمنية المشتركة التي ستقومُ بتلك العملية للوصول إلى النتائج المرجوة، كاشفة أن هناك ترجيحات بأنّ يتم البحث لاحقاً عن بدائل جديدة عسكرية للإطباق على المسلحين داخل مناطق إنتشارهم أو على المجموعات الداعمة لهم.