معلوماتٌ أمنيّة من قلبِ معارك عين الحلوة.. من يضغط على مَن؟

11 سبتمبر 2023
معلوماتٌ أمنيّة من قلبِ معارك عين الحلوة.. من يضغط على مَن؟


يوماً بعد يوم، تتدحرجُ التطورات الميدانيّة داخل مُخيم عين الحلوة بشكلٍ متزايد وسط الإشتباكات المسلحة الدائرة فيه، وباتت تلك الرُّقعة الجغرافية الصغيرة تشهدُ على سيناريوهات قتاليّة على قاعدة “كل يوم بيومو”.  

أمس الأحد، كان ميدانُ القتال في المُخيم مختلفاً تماماً عن مشهدية يوم السَّبت، فخلال الساعات الماضية، تقدّمت حركة “فتح” عبر أكثر من محور قتاليّ ضد مسلحي “جند الشام ” و “الشباب المسلم” لاسيما في حي المدارس أو ضمن حيّ حطين، كما كانت هناك محاولات للتقدُّم أكثر على محوري الطوارئ والتعمير التّحتاني. في المقابل، لم تكن “فتح” تحظى بزخم التقدُّم يوم السبت، بل فوجئت حينها بإندلاع النار عند محاور قتالية ضدّها ضمن أكثر من حيّ داخل المخيم، الأمر الذي أرسَى ضغطاً عسكرياً عليها دفعها لإستقدام قوّات عسكريّة مُعزّزة من مخيمات أخرى أبرزها البرج الشمالي – صور، دخلت عبر مداخل عديدة للمخيم، منها مدخل البركسات، المستشفى الحكومي.  
ما حصل يوم الأحد من ضغطٍ “فتحاوي” ميدانيّ أدى إلى إنحسار قدرة الجماعات المُسلّحة على خوض معركة كبرى وواسعة ضمن كافة أحياء المخيم مثلما حصلَ يوم السبت. فعلياً، قد يكون هذا الأمر هو سبب طلب جماعة “الشباب المُسلم”، أمس، عبر مسؤولها هيثم الشعبي بوقف إطلاق النار، وهو كلامٌ كان مُغايراً تماماً لموقفٍ سابقٍ أطلقه الشعبي نفسه وأشار فيه إلى أنهُ يجب “فتح كافة المحاور”، وقد جرى توثيق هذا الكلام بتسجيلات صوتية. 
النداء الذي أطلقه الشعبي والذي تزامنَ مع بيان غير حاد لـ”عصبة الأنصار” تبرر من خلاله مشاركتها في إشتباكات السبت، أدّى إلى تراجع حدّة الإشتباكات تدريجياً حتى ساد الهدوء ليلاً في المخيم وذلك قبل أن يتجدّد التوتر اليوم الإثنين بوتيرةٍ أعنف. مصادر فلسطينية وصفت ما جرى بأنه كان “إختباراً” ميدانياً أو أنهُ عملية أرادتها الجماعات المُسلّحة لإعادة تنظيم صفوفها أكثر داخل عين الحلوة خلال الهدنة المفتعلة بعدما واجهت ضغطاً “فتحاوياً” ضمن محاور مختلفة. وفي الأساس، فإنّ الجبهات المختلفة التي جرى فتحُها تعتبرُ “غير منظمة” بما فيه الكفاية لشنّ معارك موسعة، وبحسب المصادر، فإنّ حي حطين مثلاً لم يكن حاضراً لمعركة مثله مثل أحياء أخرى، ولهذا السبب التركيز والثقل الكبير يتمحور في منطقتي الطوارئ والتعمير، بحسب المصادر. 
وسط ذلك، تقولُ معلومات “لبنان24” إنَّ “الشعبي نسّق مع مسؤولين لديه خلال الساعات كيفية ضبط المعارك لإعاد التموضع داخل المحاور المختلفة والتفكير بخطة إنتشار جديدة بعدما عملت فتح على تضييق الخناق عند أكثر من محور”، وُتضيف: “التزعزع الذي حصل على مختلف المحاور وعدم وجود قدرة على التقدُّم أكثر قد يكون من العوامل التي ضغطت على الشباب المسلم وجُند الشام لترتيب الأوراق الميدانية مُجدداً قبل خوض معارك جديدة وسط حديث عن وجود أزمة ذخيرة لدى المُسلّحين داخل منطقتي الطوارئ والتعمير”. 
تحصينات جديدة والعينُ على “القوة المشتركة” 
مع ذلك، تكشفُ مصادر “لبنان24” أن هناك مجموعات مسلحة جديدة تشكّلت داخل حي الرأس الأحمر في المخيم وتضمُّ شخصيات غريبة عن المخيم، مشيرة إلى أنَّ بعض عناصر تلك المجموعات تنتمي إلى “عصبة الأنصار” وإلى جماعة “أبو جنى” و”عبد فضة” فضلاً عن عناصر أخرى مؤيدة لحركة “حماس”.  
وذكرت المعلومات أنَّ المسلحين التابعين لهذه المجموعات تحصّنوا داخل منازل مُحاذية لحي الطيري ليل الأحد – الإثنين وعززوا تمركزهم هناك خلال وقتٍ الهدنة ليلاً، وقد تمّ إحداثُ ثغراتٍ قتالية ضمنها كما جرى نقلُ ذخائر إليها، وهناك محاولات لإقتحام ومهاجمة الطيري عبر المسلحين الموجودين هناك.  
اليوم، ومع إستئنافِ الإقتتال في محاور مختلفة، تقولُ مصادر “فتح” لـ”لبنان24″ إنه “حتى الآن لم تتحدّد لحظة الصفر التي ستبدأ خلالها عملية واسعة في المخيم تهدفُ إلى ضرب جُند الشام والشباب المسلم داخل المناطق التي تنتشر فيها عناصر المجموعتين المذكورتين”، وتضيف: “نحتاجُ إلى قرار سياسي وأمني لبنانيّ من أجل إنجاز العملية العسكرية المطلوبة، لكن هذا الأمر لم يُتخذ بشكل فعلي حتى الآن”.  
إزاء ذلك، يبقى مُنتظراً اليوم ما ستؤول إليه نتائج الإجتماع الذي يُعقده المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري لمختلف القوى الفلسطينية بهدف إيجاد مخارج جديدة للأزمة في عين الحلوة. هنا، تقولُ مصادر “لبنان24” إنَّ التركيز في هذا الإجتماع يجب أن يكون على القوة الأمنيّة المُشتركة التي ستعملُ على جلب المطلوبين بجريمة إغتيال القيادي في “فتح” أبو أشرف العرموشي، وهذا الأمر يتطلبُ مشاركة كافة القوة الفلسطينية، وتضيف: “القوة هذه لم تتشكل حتى الآن بسبب مماطلة مختلف الفصائل على مدى أيامٍ عديدة.. والسؤال: هل سيساهم إجتماع الأمن العام بتشكيلها وهل ستُسأل الفصائل العديدة لماذا تمّ تأخير تشكيل هذه القوة التي تُمثّل توافقاً وإجماعاً فلسطينياً؟ فلتُشرف الدولة على هذه القوة وتنظيمها ولا إعتراض.. المهم هو إنهاء التوتر داخل المخيم وعودة الأمن والأمان لأهله وقاطنيه”. 
إستدراجٌ للجيش؟ 
وأمام كل ما يجري، برزَ التطوُّر الأكثر خطورة على صعيد المعارك والمُتمثّل بإستهداف نقاطٍ للجيش في محيط المخيم، وآخرها كان يوم أمس حيثُ أصيبَ 5 عسكريين بجروح أحدهم بحالة حرجة. ميدانياً، تبيّن أن النقطة الأولى التي تعرضت للإستهداف تقعُ عند مدخل التعمير التحتاني حيثُ يتحصن مسلحو “جند الشام” و “الشباب المُسلم”، فيما تبيّن أن النقطة الثانية تقعُ في منطقة جبل الحليب والتي تُسيطر عليها “فتح” ميدانياً.  
ما حصل مع الجيش بات يستدعي قلقاً كبيراً من إمكانية إستدراجه إلى ما يجري في عين الحلوة وإقحامهِ في المعارك الدائرة هناك. ولكن، ورغم عدم وجود قرارٍ حتى الآن بهذه الأمر، لم يتأخر الجيش في الرّد على مصادر النيران، وتقولُ مصادر ميدانية لـ”لبنان24″ إنّه وفور إصابة العسكريين عند النقاط التابعة لهم، استحضر الجيش رشاشات ثقيلة فوراً ووجّه رشقات نارية مكثفة باتجاه الأحياء التي صدرت منها القذائف الصاروخية التي طالت العسكريين.
مع كل ذلك، تسألُ المصادر: “من هو الذي لديه مصلحة بإستدراج الجيش؟ المجموعات المُسلحة تعي تماماً أن دخول الجيش في المعركة يعني حسمها سريعاً، والأساس هو أنَّ المنطقة التي يقبعُ فيها مسلحو جند الشام والشباب المسلم أساسها خارج المخيم، وبالتالي يمكن للجيش السيطرة عليها عبر أكثر من طريقة. على صعيد فتح، قد يكون من صالحها دخول الجيش في المعركة لأن ذلك سيُساهم في تخفيف الضغط عنها، لكن المخاوف الأكبر تتعلق بتحوّل المعركة إلى نهر باردٍ جديد”.  
بحسب المصادر، هناك مخاوف من أن يتمّ إقحام الجيش في معركةٍ أساسها “تغيير وجهة السيطرة داخل المخيم”، وهو أمرٌ قد لا يساهم الجيش في إنجازه، وتضيف: “الجيش يعملُ بحكمة ودراية مع ما يجري، والخطوات التي يفعلها ميدانياً ثاتبة ومؤثرة”.  
وسط ذلك، تخوّفت المصادر أيضاً من أن يتمّ إستهداف الجيش أكثر من مرّة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستُساهم بتأجيج المجتمع اللبناني ضدّ المخيم بما فيه، وتردف: “عندما تطالُ النيران العسكريين، لن يهدأ اللبنانيون ولن يسكتوا عن أي رصاصة تتعرض لها المؤسسة العسكرية.. عندها ستكون المطالبة بحسم المعركة فوراً.. هذا السيناريو ليس مُستبعداً عند أي طرفٍ من الأطراف”.