قبل أن تحتدم المعارك الفلسطينية – الفلسطينية في مخيم عين الحلوة كان هذا المجمّع ملجأ لكل فار من وجه العدالة. فلا سلطة فيه للدولة اللبنانية، فيما لا يُسمح للجيش سوى بتطويقه من الخارج ومراقبة ما يجري فيه من خلال ما تصل إليه من معلومات استخباراتية حول عمليات التهريب المتعدّدة الأنواع، ومن بينها تهريب السلاح إلى جميع المتنازعين، حيث تبيّن أن كميات هذه الأسلحة المستعملة في المعارك “التصفوية” يفوق حجم تلك، التي يمكن توظيفها لمحاربة العدو على الحدود، وليس لترويع المدنيين الآمنين في المخيم وخارجه، أو تنفيذ بعض “الأجندات”، التي لها علاقة بمخططات لا تخدم بالتأكيد القضية الفلسطينية الأم.
Advertisement
فهذه الأسلحة، التي تُستعمل في المعارك الدائرة من حيّ إلى حيّ، تُستخدم في غير موضعها الطبيعي، فضلًا عن أن الفصائل الفلسطينية المتنازعة على السلطة داخل المخيم تستبيح الأرض التي تأويها، وهي تتصرّف في هذا المخيم على أنه قطعة منسلخة عن البلد، الذي يستضيف هؤلاء، الذين يزرعون الرعب والموت في أرجاء المخيم وفي محيطه. فهذا التصرّف غير المقبول والمرفوض من الجميع، فلسطينيين ولبنانيين، وبالأخصّ من قِبَل السلطة الفلسطينية، التي تعتبر أن هذه المعارك لا تخدم سوى ما يخطّط له العدو، مطالبة بأن تُعطى الدولة اللبنانية، ممثلة بالجيش، الضوء الأخضر، للدخول إلى هذا المخيم الخارج عن كل من السلطتين اللبنانية والفلسطينية المركزية، خصوصًا بعدما أصبح ملاذًا لكل أشكال الإرهاب والاجرام.
فدخول الجيش إلى مخيم عين الحلوة قد أصبح مطلبًا فلسطينيًا، وذلك من أجل وضع حدّ لهذا التقاتل العبثي، وبالتالي نشر الأمن والأمان في أرجائه، بعد تنظيفه من الخلايا الإرهابية والاجرامية، وإلقاء القبض على جميع الفارين والمطلوبين من العدالة، والعمل على تحسين ظروف معيشة السكان المدنيين، الذين روعتهم حدّة الاشتباكات، التي لا هدف لها سوى ربط هذا المخيم، وهو الأكبر مساحة وعددًا، بمخططات أخرى ترتبط بما يُرسم خارج الحدود.
ولكي يدخل الجيش إلى مخيم عين الحلوة يحتاج إلى قرار سياسي تمامًا كما حصل يوم قرر الدخول إلى مخيم نهر البارد، والذي اعتبره البعض في وقتها خطًّا أحمر.
وسواء نجح الساعون إلى وقف دائم لإطلاق النار أو لم ينجحوا فالمسألة هي أبعد من اتفاق ظرفي. فما جرى قبل شهر تقريبًا، وما يجري منذ أسبوع على أرض هي لبنانية من تقاتل داخلي لم تُكشف أبعاده وأهدافه بعد، هو صراع قد يبدو للوهلة الأولى عبثيًا، ولكنه في حقيقة الأمر مخطّط قد يكون منفذّوه على الأرض مجرد وقود تمامًا كما كانت عليه حقيقة الوضع في الحرب اللبنانية، التي تداخلت فيها مصالح كثيرة، وتقاطعت على إيقاد هذه الوقود في كل مرّة كان الوضع الأمني يهدأ حتى كان قرار دولي وعربي مشترك بوقف هذا الانتحار الجماعي، فكان اتفاق الطائف، الذي وضع حدًّا لآلة الموت المجاني.
فالسلاح الذي يدخل إلى مخيم عين الحلوة لا يسقط بـ “البراشوت”، بل يسرّب ويهرّب بسحر ساحر، خصوصًا أن الجهات التي تمرر هذا السلاح تعرفها الجهات الأمنية، التي تقف غير قادرة على ردع ما لا يُردع. ويُخشى أن يتمّ في مرحلة لاحقة تزويد بعض النازحين السوريين المدربين بكميات من هذا السلاح لاستخدامه في أغراض قد تشبه الأغراض التي تهدف إلى اشعال المخيمات الفلسطينية كمقدمة لإشعال كل لبنان، الذي تُرسم حول مستقبله علامات استفهام كثيرة.