لقاء الصدفة المدبَّر.. هل حُمّل اجتماع عون رعد أكثر ممّا يحتمل؟!

14 سبتمبر 2023
لقاء الصدفة المدبَّر.. هل حُمّل اجتماع عون رعد أكثر ممّا يحتمل؟!


 
منذ أكثر من أسبوع، لا شيء يشغل بال اللبنانيين أكثر من اللقاء الذي عقد بين رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزيف عون. أعطي اللقاء تفسيرات وتأويلات كثيرة، فهو تخطّى أبعاد التنسيق الأمني الدوري والمعتاد بين “حزب الله” وقيادة الجيش، حتى قيل إنّه “ضوء أخضر” من جانب الحزب للسير إلى الأمام بـ”تسوية” انت-خاب عون رئيسًا، بعد إشارة “ضمنية” أميركية بتبنّي ترشيحه.

Advertisement

 
تفوّق اللقاء “النوعيّ” على كلّ ما عداه من اهتمامات، فبقي متقدّمًا على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، حتى بعد وصوله إلى بيروت، إذ يصنّفها كثيرون “وداعية” ليس إلا، قبل انتقال زمام المبادرة إلى قطر، التي لا تخفي “ميلها” لتسوية انتخاب عون. ليس ذلك فحسب، بل إنّ اشتباكات عين الحلوة التي انفجرت من جديد، لم تنجح على قوتها وحساسيّتها، وربما خطورتها، في حجب الاهتمام عن “كواليس” الاجتماع المسرَّب.
 
لكن، في مقابل التفسيرات والتأويلات، ثمّة في اليومين الماضيين من خرج ليقلّل من شأن كلّ ما قيل، باعتبار أنّ اللقاء الذي تحوّل إلى الحدث لم يكن أكثر من لقاء “صدفة”، دبّره “صديق مشترك”، وأنّ أيّ نقاش جدّي لم يحدث خلاله بالملف الرئاسي، خلافًا لكلّ ما أثير في الإعلام، ما يطرح أكثر من سؤال، فهل كان لقاء “صدفة” أم مخطّطًا له، أم لقاء “الصدفة المدبّر” إن جاز التعبير؟ وهل حُمّل الاجتماع عمليًا وفي السياسة، أكثر ممّا يحتمل؟!
 
“لا صدفة” في السياسة؟! 
يؤكد العارفون أنّ اللقاء بين النائب محمد رعد والعماد جوزيف عون لا يُعَدّ من الناحية العملية، لقاءً “رسميًا”، بل يصنّف في خانة اللقاء “الاجتماعي”، دبّره “صديق مشترك”، من دون أن يفرض انعقاده أيّ من الطرفين، أو يضع “شروطه” على التئامه، لكنّه حصل من دون “ممانعة” أيّ من طرفيه، اللذين يتمتعان بعلاقات يصحّ وصفها بـ”الصحية”، وقد دأبا على اللقاءات “الدورية”، عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا.
 
وإذا كان ذلك يمكن أن يدفع إلى اعتبار اللقاء “مصادفة”، فإنّ العارفين يشدّدون على أنّها “مصادفة مدبّرة”، أو بالحدّ الأدنى “برضا الطرفين”، علمًا أنّ ثمّة من يجزم بأنّ “لا صدفة” في السياسة، وتحديدًا في قاموس “حزب الله”، الذي يدرس خطواته جيّدًا، بل “يدوزنها”، ويتعمّد أن يوصل من خلالها الرسائل في كلّ الاتجاهات، وهو على الأرجح ما توخّاه من خلال اللقاء مع قائد الجيش، الذي لم يحصل ليبقى “مستترًا”، أو “مخفيًا”.
 
ولعلّ “توقيت” اللقاء يحمل بدوره الكثير من المعاني والدلالات، وفق العارفين، فهو جاء على وقع الحوار القائم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ما أعطى انطباعًا بأنّ الحزب أراد توجيه “رسالة ثقيلة” إلى الوزير السابق جبران باسيل، لدفعه للكفّ عن المماطلة وحسم موقفه، كما جاء أيضًا عشية عودة لودريان، وبالتوازي مع إنعاش أفكار الحوار، وكأن الحزب أراد أن يقول إنّه “منفتح” على كل الخيارات، بما فيها التفاهم على قائد الحيش.
 
حُمّل أكثر ممّا يحتمل 
لا تعني “الرسائل” الحاضرة في “لقاء الصدفة المدبّر”، كما يحلو للبعض توصيفه، أنّ التفسيرات التي أعطيت له كلّها في مكانها، ولا سيما الاستنتاجات التي ذهب إليها البعض، ووصلت لحدّ القول إنّ “حزب الله” يتّجه إلى تبنّي ترشيح العماد عون رسميًا لرئاسة الجمهورية، علمًا أنّ المعطيات المتوافرة تؤكد أنّ أيّ موقف من هذا النوع لم يُعلَن خلال اللقاء، كما أنّ قائد الجيش لم يحضره بوصفه “مرشحًا رسميًا” لرئاسة الجمهورية.
 
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى البعض أنّ اللقاء حُمّل على الأرجح أكثر ممّا يحتمل، إذ إنّ “عدم التخطيط” له يكفي لوضعه في سياق محدّد، وضمن ضوابط معروفة، بدليل أنّ أيّ “خرق” لم يحدث بعد تسريب الاجتماع، فلا “حزب الله” أعلن تغيير “تكتيكه”، والانتقال من ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى دعم ترشيح العماد جوزيف عون، ولا الأخير أعلن خوضه الاستحقاق، من بوابة اعتباره نقطة “تقاطع” بين “الأضداد”.
 
لكنّ هؤلاء أنفسهم يشدّدون على أنّ “الاستخفاف” باللقاء، واعتباره مجرّد “صدفة”، يشكّل هو الآخر “خطيئة” في السياسة، بل “تسطيحًا كاملاً” للأمر، ليس فقط لأنّ اللقاء ما كان ليحدث لو لم يكن طرفاه موافقَين عليه، وراغبَين بحدوثه، بل بتسريبه أيضًا، خلافًا لكل ما قيل، ولكن أيضًا لأنّه يدحض كلّ ما يُحكى عن “فيتو” يضعه “حزب الله” على قائد الجيش، ولو أنّه لا يصل لحدّ تبنّي ترشيحه، طالما أنّ مرشحه الأول لا يزال في الساحة.  
 
في النتيجة، قد يكون اللقاء بين النائب رعد والعماد عون حُمّل فعلاً أكثر ممّا يحتمل، وقد لا يكون أكثر من لقاء “اجتماعي”، سواء حصل “صدفة”، أو تم “تدبيره” بين القيادتين، لكنّ الثابت أنّه يؤكد في الجوهر، على “حتميّة” الحوار لعلاج كلّ الأزمات، حوار يفترض أن “يتلقّفه” سائر الأفرقاء، في سبيل الوصول إلى تفاهم وطنيّ شامل ينهي أزمة الشغور الرئاسي، بعيدًا عن منطق “النكد والنكايات” المهيمن.