جان ايف لودريان عائد إلى بيروت ،ومع هذه العودة يكون الموفد الفرنسي الرئاسي قد زار لبنان رئاسيًا أربع مرّات. وما لاصراره على إحداث خرق في جدار الملف الرئاسي سوى تفسير واحد، وهو أن الرجل لم ييأس، مع أن كل ما رأه وسمعه ولمسه يدعو إلى اليأس والقنوط والإحباط، مع تشديده على أن يحمل معه هذه المرّة ما يبشّر بقرب ولادة حّل معين للأزمة الرئاسية، التي لا تزال مستعصية على الحّل وفق المؤشرات التي رُصدت من خلال جولة الموفد الفرنسي على القيادات اللبنانية، والتي رجّحت إمكانية الذهاب إلى “الخيار” الثالث بعدما تمّ استبعاد مرشح فريق “الممانعة” رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية ومرشح فريق “المعارضة” الوزير السابق جهاد ازعور، من دون أن تتضح معالم “الخيار الثالث”، مع ما يمكن أن يقال في هذا المجال حول الغموض الذي يكتنف مهمة لودريان، الذي يبدو أنه دخل في عمق الدهاليز اللبنانية، حيث أن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
ووفق ما تمّ تسريبه من معلومات فإن اسمي فرنجية وازعور لم يعودا داخل حلبة السباق الرئاسي، إلاّ أن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون ما سُرّب هو ما سيطبع تحرّك لودريان في عودته الرابعة، لأنه اتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل مغادرته لبنان على أن لا مناص من الحوار، لأنه السبيل الوحيد لمعالجة الأزمة الرئاسية. وهذه القناعة تولّدت لديه كخلاصة لمحادثات الثلاثة أيام، التي قضاها متنقلًا بين السرايا وعين التينة وكليمنصو واليرزة ومعراب والصيفي والرابية. فلا يكفي أن يقول لودريان إن اسمي فرنجية وأزعور لم يعودا مطروحين على بساط البحث الرئاسي، لأن كلًا من فريقي “الممانعة” و”المعارضة” لم يحسما أمرهما بعد سواء بالنسبة إلى الأسماء أو بالنسبة إلى الطروحات، التي تبناها الموفد الفرنسي والقائمة على أساس أن يدعو الرئيس بري إلى جلسات مناقشة، باعتبار أن كلمة “حوار” باتت بالنسبة إلى “المعارضة” تشكّل حساسية مفرطة، باستثناء “اللقاء الديمقراطي”، الذي رحب باسمه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ولا ننسى بالطبع موقف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي اشترط ألا يكون أي حوار، قد يُدعى إليه، سوى “حوار رئاسي” يفضي إلى دورات متتالية تصبّ في خانة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ما فُهم من الزيارة التي قام بها رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” الحاج محمد رعد لبنشعي أنه أبلغ فرنجية صراحة وبما لا يقبل الشكّ بأن “حارة حريك” لا تزال متمسّكة بترشيحه، فضلًا عن طمأنته إلى أن زيارة اليرزة لم تكن “رئاسية”، فيما ترى بعض الأوساط السياسية أن رعد لم يكن ليقوم بزيارة بنشعي لو لم تُعط زيارته لقائد الجيش أبعادًا رئاسية في هذا الظرف الدقيق، وبعدما كثر الحديث عن حظوظ رئاسية متقدّمة للعماد جوزاف عون، الذي بات مهتمًّا أكثر من أي وقت مضى بمسألة ترشيحه كـ “خيار ثالث” يمكن أن يحظى بما نسبته 86 صوتًا في أي جلسة قد يدعو إليها الرئيس بري عندما تكتمل حلقات هذا الخيار من بين خيارات أخرى قد تلقى الحدّ الأدنى من التوافق عليها.
وحتى نضوج فكرة “الخيار الثالث” يبقى على “حزب الله” المتمسّك حتى الساعة بترشيح فرنجية أن يقتنع بأن حظوظ مرشحه غير مضمونة في “لعبة” التوازنات الداخلية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى “المعارضة”، التي عليها أن تسّلم بالأمر الواقع، وأن تقتنع هي أيضًا بأن حظوظ ازعور غير مرجّحة. وعليه، فإن زيارة لودريان الرابعة ستكون حاسمة، سواء لجهة تكريس أمر واقع، أو التسليم بأن الملف الرئاسي يتخطّى حدود مهمته، على أن تنفرج الأزمات الإقليمية والدولية، وخصوصًا بالنسبة إلى المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وقد بدأت ملامح الاتفاق تلوح في الأفق، الذي سيترجم حتمًا في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، الذي أدخل غصبًا عنه في “لعبة” المحاور من خلال ما يجري في مخيم عين الحلوة، وهي أرض لبنانية.