كتب زياد سامي عيتاني في “لبنان الكبير” إستوقف المراقبين والمتابعين قبيل الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت وخلالها، الحركة النشطة المواكبة للديبلوماسية السعودية من خلال كل من المستشار في الديوان الملكي السعودي برتبة وزير نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، المكلفين من الديوان الملكي متابعة الملف اللبناني. ومرد ذلك، الحراك السعودي النشط على مسار إنهاء الشغور الرئاسي، وذلك من خلال قنوات الاتصال والتواصل من الاليزيه إلى اليرزة، انطلاقاً من التفاهمات التي تم التوصل اليها في اجتماعات باريس بين لودريان وباتريك دوريل من الجانب الفرنسي والعلولا وبخاري من الجانب السعودي، بحيث أكدت مصادر المجتمعين أن هذه الإجتماعات دفعت باتجاه رسم خريطة طريق لحل الأزمة اللبنانية. كما عقد المسؤولان السعوديان خلال تواجدهما في باريس لقاءات مع شخصيات سياسية لبنانية.
واستتبع ذلك في بيروت بمروحة إتصالات واسعة بعيدة عن الاعلام للسفير بخاري، ومن ضمنها التحضير للقاء في دارته بين مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان والموفد الفرنسي والنواب السنة، في خطوة ذات دلالات كبيرة على حرص المملكة على تكريس مبدأ المناصفة الذي يقوم عليه إتفاق الطائف، وعدم السماح بإستبعاد أي مكون من مكونات المعادلة الوطنية أو تهميشه أو إضعافه. كذلك كان لافتاً استقبال السفير بخاري في مقر إقامته سفير قطر الجديد لدى لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، وتمنى له التوفيق والنجاح في مهمته الجديدة، وذلك في مؤشر إلى تنسيق سعودي – قطري حول الملف اللبناني. وهذا ما تأكد من خلال البيان الصادر عن السفارة السعودية في أعقاب اللقاء، ومما جاء فيه: “استعرض اللقاء آخر تطورات الأوضاع على الساحة اللبنانية لا سيما الملف الرئاسي اللبناني وضرورة إنجازه ليعود لبنان بلداً فاعلاً في محيطه العربي والاقليمي إضافة إلى بحث عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
وفي المعلومات أن البحث تطرق الى ضرورة انجاز الملف الرئاسي ليعود لبنان الى دوره الطبيعي في محيطه العربي. هذا الحراك السعودي المدروس والعقلاني، والذي يسير بخطى هادئة وثابتة، إنطلاقاً من ثوابت مقاربة المملكة للملف اللبناني، دفع المتابعين إلى إعتبار ذلك بداية عودة الزخم السعودي إلى لبنان، ما سيعطي إندفاعية كبيرة لكل المساعي الرامية إلى إحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية، لما للمملكة من ثقل وتأثير على الوضع اللبناني، لا سيما وأن هناك إجماعاً من المحللين على أن لا حل في لبنان من دون تفاهم سعودي – إيراني على تسوية وازنة ومتوازنة، تحظى بتأييد الغرب وفي مقدمه الادارة الأميركية. إلا أن مصادر على إطلاع على موقف السعودية من لبنان تجزم بأن الرياض لم تتخلَ يوماً عن الوقوف الى جانب لبنان، وتحديداً خلال أزماته، لكن لا يمكن أن تحل مكان الفرقاء اللبنانيين لجهة ضرورة وحتمية التلاقي في ما بينهم على إنقاذ بلدهم، حتى تتمكن السعودية وباقي الأشقاء العرب من المساهمة في إنقاذه، من خلال تأمين مظلة أمان عربية ودولية له على الصعد كافة.
إنطلاقاً من هذه المعطيات المتقدمة، وإذا ما تجاوبت الأطراف اللبنانية مع التحركات الخارجية، يمكن الرهان على إنفراجات قريبة في سياق المشهد الرئاسي. فالمؤكد أن لا امكان للسير بالطروح السابقة، ولا بد من طرح جديد، حسبما أبلغ لودريان كل من إلتقاهم. فمن الآن الى أن تجتمع اللجنة الخماسية على مستوى وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء المقبل، فإن على الموفد الفرنسي صياغة وإبتكار مقترحات وأفكار جديدة، وفقاً لمرتكزات البيان الذي أصدرته اللجنة بعد إجتماعها الأخير في الدوحة. فهل يشهد لبنان قريباً خرقاً في جدار الأزمة الرئاسية، من خلال المسار المنسق الذي تقوده السعودية؟