كتبت “الراي الكويتية”:وإذا كانت الأزمات السياسية ولا سيما الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية وما يولّده من دومينو فراغاتٍ وإرباكات في عجلة عمل المؤسسات وانسيابية دورتها ودورها هو المغذّي الأول للانهيار المالي، فإن التعاطي الرسمي في ذاته مع هذا الانهيار – رغم فرْملة سرعته في ضوء إجراءاتٍ تخديرية على حافة الهاوية المميتة – يبقى «الحمولة الأثْقَل» على مسار تعافٍ باتت معالمه وآلياته محدَّدة بوضوح ولكن السلطات المعنية تشيح بنظرها عنها وكأن العاصفة الأعتى التي تتقاذف لبنان ستنتهي لوحدها بوصْفها… «زوبعة في فنجان».
ولعلّ آخِر «الأدلّة» على هذا الواقع جاء بلسان بعثة صندوق النقد الدولي في ختام أحدث جولاتها الدورية على المسؤولين اللبنانيين حيث«بقّت البحصة» بوجه ما أعلنت أنه «افتقار الى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة، ولكنها حاسمة، لإطلاق الإصلاحات بما يترك لبنان في مواجهة قطاع مصرفي ضعيف، وخدمات عامة غير كافية، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، واتساع فجوة الدخل».تحتاج الحكومة، وفق الخلاصات الدولية، إلى تنفيذ استراتيجية مالية منسجمة لاستعادة استدانة مستدامة وإيجاد مساحة للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية. ولتكون هذه الاستراتيجية فعالة، فإن تحسين استجابة الإيرادات هو أمر بالغ الأهمية. علماً أن الحكومة قامت باتخاذ إجراءات تدريجية نحو تعديل تحصيل الإيرادات لتحسين قيمة القاعدة الضريبية بشكل أكثر واقعية وإعادة ضبط جداول ورسوم الضرائب إلى قيم معقولة، ما أسفر عن زيادة ملحوظة في الإيرادات. ومع ذلك، هناك حاجة للقيام بالمزيد.وبالمثل، يمكن التكهن وفق المسؤول المالي المعني، بأن رحلة التشريع ستطول أيضاً بما يخص قانونيْ وضْع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) وإعادة هيكلة المصارف. فالأول جاهز من حيث الصياغة، إنما دون إقراره اعتراضاتٌ كامنة ومواقف حاسمة لكتل نيابية وازنة تنادي بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية على أي شأن تشريعي لا يقع في تصنيف«الضرورات القصوى». أما الثاني فهو ملتبس في الإعداد وتَبادُل المسؤوليات بين السلطتين التنفيذية والنقدية، وما من إشارات واعدة لقرب انسيابه، ولا سيما انه سيبني موضوعياً على حصيلة ورشةِ تدقيقٍ دولي بميزانيات البنوك العاملة.وفي تصنيفٍ«نادر»للخطوات في الاتجاه الصحيح، نوّهت البعثة بالقرارات الأخيرة التي اتخذتها الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان للتخلص تدريجياً من منصة صيرفة، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وزيادة الشفافية المالية.وبناءً على هذا التقدم، وجدت«الآن»فرصةً للإصلاحات الشاملة لتعزيز حكم مصرف لبنان ومحاسبته وعمليات تداول العملات الأجنبية وفقاً لأفضل الممارسات الدولية. علاوة على ذلك، شددت على وجوب توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق ما سيساعد في القضاء على فرص التحكّم بالأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة…. إنه سِباقٌ قديم – جديد بين انهيارٍ مالي يقترب من استعادة سرعته العالية وبين انهياراتٍ مؤسساتية – بدءاً من أزمة رئاسة الجمهورية – سارت معالجاتها العقيمة بوتيرةٍ سلحفاتية على مدى نحو 11 شهراً، ولا أحد يجزم بمآلات المحاولة المتجددة لإنهاء الشغور قبل أن يطفئ شمعتَه الأولى (في الأول من تشرين الثاني) في القصر المسكون بـ… الفراغ.