حذر صندوق النقد الدولي لبنان من مغبة تأخير الإصلاحات المطلوبة، فربط بعض الخبراء موقف بعثة الصندوق بانتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وتسلم وسيم منصوري الحاكمية بالانابة.وأكد صندوق النقد الدولي، في بيانه، أن هناك فرصة لإجراء إصلاحات شاملة لتعزيز الحوكمة والمحاسبة في مصرف لبنان المركزي، لكن الحكومة بحاجة لتنفيذ استراتيجية مالية متماسكة لاستعادة القدرة على تحمل أعباء الديون، وإفساح المجال للإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.إن المسألة في ما يخص الإصلاحات أكبر من مسألة تغيير قيادة مصرف لبنان، التي تنحصر مفاعيلها في الجانب النقدي فقط. فصندوق النقد بحسب ما يؤكد الباحث الاقتصادي والخبير في الشؤون المالية والمصرفية علي نور الدين ل”لبنان24″ طلب مجموعة من الإصلاحات في إطار التفاهم المبدئي الموقع على مستوى الموظفين،. ومنذ نيسان 2022، لم يحصل أي تقدم في تنفيذها، باستثناء تدقيق ميزانية مصرف لبنان. فلم يتم إقرار موازنة إصلاحيّة، ولا صياغة قوانين إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ولم ينجز لبنان مسار توحيد أسعار الصرف، كما لم تضع الحكومة استراتيجية لإعادة هيكلة الدين العام، ولم يتم تدقيق ميزانيات أكبر 14 مصرف. ولذلك فإن المسألة أكبر من موضوع إجراءات الحاكم بالإنابة فهي تتصل بغياب الإرادة السياسية لتنفيذ شروط التفاهم المبدئي وهذا ما يحذر منه الصندوق، لأنه من دون تنفيذ هذه الإصلاحات لا يمكن الدخول في برنامج قرض مع الصندوق.لقد رحبت بعثة صندوق النقد بخطوات الحاكم بالإنابة، ويبدو أن ثمة تأييدا لأداءه أكثر مما كانت عليه الحال مع الحاكم السابق رياض سلامة، لكن في الوقت نفسه فإن الصندوق لا يعتبر ذلك كافيا وطلب مجموعة من الخطوات، وفي طليعتها أطر الحوكمة في مصرف لبنان وآلية التصريح عن الميزانيّات (المحاسبة) وعمليات القطع. وهذا ينتظر إطلاق عمل منصة بلومبرغ ، ليرى الصندوق ما إذا كانت تحقق المطلوب من قبله بما يخص عمليات القطع.وسط ما تقدم، فإن الاقتصاد النقدي يثير الريبة خاصة بعد تحذير صندوق النقد والبنك الدولي منه، وفي السياق يرى نور الدين أن اقتصاد النقدي يخرج عن رقابة النظام المالي الرسمي والشرعي، وبالتالي لا يمكن تطبيق قواعد مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عليه، وهذا ما يجعل الأطراف الخارجية تخشى من التداولات المالية مع لبنان، ما يعني إدخال البلاد في عزلة مالية. وهذا الامر تظهر مع تشدد المصارف المراسلة في علاقتها مع لبنان. ولذلك من الطبيعي أن يحذر البنك الدولي وصندوق النقد من هذا التطور.وبالانتظار فإن الترقب سيد الموقف لموازنة العام 2024، غير ان صندوق النقد لم يعط رأيا حاسما بعد في شأن هذه الموازنة ، ربما لأنه ينتظر، وفق نور الدين، الصيغة النهائية التي ستصل إلى مجلس النواب من الحكومة. لكنه أعطى رأيا واضحا في ميزانية 2023 وقال أنها لا تلبي المطلوب من ناحية حجم العجز غير الواقعي المدرج فيها. في حين انه وضع بالنسبة إلى ميزانية 2024 جملة مطالب تتصل بتوسيع قاعدة التحصيل الضريبي، ولكنه لم يبد الموقف النهائي في مضمونها.حتى الساعة لم ينضج الاتفاق بين بعثة الصندوق والحكومة اللبنانيّة حول معايير إعادة الهيكلة، والسؤال المطروح لماذا تتحفظ البعثة على إدراج فكرة “صندوق استرداد الودائع، وهما يقول نور الدين: ” لأن الفكرة غير واقعية: لن ترد الودائع، ولن تتمكن الدولة من إيفاء هذا الإلتزام للمودعين، بعد تحويل الودائع إلى إلتزام على الصندوق. صندوق النقد يرفض أي فكرة يمكن أن تحمل الأموال العامّة كلفة الخسائر المصرفيّة، لأنه يعلم أن هذه الأفكار سترفع الدين إلى مستويات غير مستدامة ولا يمكن للدولة أن تتحمّلها”.وسط ما تقدم ثمة من يظن ان إطلاق منصة بلومبرغ سيشكل الأداة التنفيذية لدخول لبنان مرحلة تحرير سعر صرف الليرة، تمهيدا لمكافحة السوق الموازية وسط ترقب لمقاربة صندوق النقد تجاهها، لكن نور الدين، يظن أن “صندوق النقد سينتظر أليات عمل هذه المنصة، لأنه حتى اللحظة لم يعلن مصرف لبنان عن آليات عملها ولا يعلم أحد بعد ما إذا كانت ستحقق المرجو منها. وما يريده صندوق النقد بحسب نور الدين، هو آلية شفافة للتداول بالعملات الأجنبية، بخلاف منصّة صيرفة، وهذا ما يفترض أن تحققه منصة بلومبرغ. ومن حيث المبدأ ينظر صندوق النقد بعين الرضا إلى وقف عمل منصة صيرفة، وإلى عمل مصرف لبنان على استحداث منصة أكثر شفافية، لكنه سينتظر آليات عمل المنصة الجديدة ليبني موقفه النهائي والجذري”.امام ذلك تتعدد السيناريوهات حيال مسؤوليات المركزي تجاه صندوق النقد وهنا يقول نور الدين إن المسؤولية الأساسية تكمن في العمل على توحيد أسعار الصرف. فالصندوق يريد من المصرف المركزي العمل على آلية تداول شفافة تعكس سعر صرف عائم وحر في السوق، بناء على آليات العرض والطلب الشفافة، ومن ثم اعتماد هذا السعر لسائر العمليات المصرفية والماليّة، بالإضافة إلى تسديد الضرائب والرسوم الجمركية. فمسؤولية المصرف المركزي هي توفير آلية القطع هذه، ومن ثم اعتمادها في النظام المالي. أما سائر الإصلاحات والشروط المنصوص عنها في التفاهم الموقع مع الصندوق، فهي من مسؤولية الحكومة ومجلس النواب.وعليه، فإن الواقع يؤكد وبما لا يقبل الشك ان لبنان سيكون محكوما بالاستجابة لادارة صندوق النقد ولشروطه الاجرائية والتشريعية والتي سوف تأسس الى إبرام الاتفاق النهائي معها خاصة وان أبواب الاستثمار الأجنبي والعربي والدعم والقروض كلها تنتظر هذا الاتفاق.