لافتٌ جداً توقيت إصدار المحكمة العسكريّة يوم الإثنين الماضي، قراراً بالسجن المؤبد لـ”أمير داعش” في مخيم عين الحلوة عماد ياسين لمدة تصل إلى 160 عاماً. من يدخل قليلاً في تفاصيل القرار، سيجدُ أنّه تزامن مع أحداث المُخيم المندلعة منذ شهرين بين حركة “فتح” من جهة وجماعتيْ “جُند الشام” و “الشباب المسلم” من جهة أخرى. حتماً، هنا تكمنُ الرسائل الأبرز والتي لا يُمكن إغفالها تماماً، والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: ماذا يعني الحُكم على ياسين في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي الرسائل من ورائه؟
Advertisement
الرسالة الأولى: يُعتبر ياسين “العرّاب” الأبرز لجماعة “جُند الشام”، فهو الذي أسّسها عام 2003 بعدما انشقّ عن “عصبة الأنصار” عقبَ إنسلاخه عن حركة “فتح”. في المضمون، يمكن القول إنَّ “تحجيم” ياسين قد يكونُ رسالة حازمة من الدولة اللبنانية لـ”جند الشام” مفادُها إنَّ “أميرَك” الأساس قد حُكِم عليه وتم تحجيمه، وبالتالي قد يأتي الدورُ إلى غيره ضمن الجماعة نفسها. كذلك، قد يكونُ الحُكم الجديد بمثابة إشارة للتنظيم بأنّ “التمادي” الذي امتهنه طيلة الشهرين الماضيين للسيطرة على المُخيم، سينتهي بـ”أمرٍ من الدولة” ووفق أدواتها المناسبة.. باختصار، يُعدّ الحكم على ياسين الآن بمثابة إعلانٍ لبداية حكم القضاء على “جند الشام” بعدما باتت تُشكل خطراً على مُخيم عين الحلوة أولاً وعلى الأمن في لبنان ثانياً.
الرسالة الثانية: الملفات التي ارتبطت بياسين خطيرة جداً، فهي لم تنحصر فقط بأعمال إرهابية داخل المخيم، بل تجاوزت إلى التخطيط لاغتيالات وتفجيرات في مناطق لبنانية مُختلفة. إذاً، الحُكم الذي صدر إستناداً إلى تلك الملفات، يقودُ بشكلٍ أو بآخر إلى القول إنّ “جند الشام” تُمثل فصيلاً يشنُّ عمليات إرهابيّة تهزُّ الأمن القومي في لبنان، وبالتالي يُعد أمر محاربتها ضرورياً لأنها تشكل خطراً أمنياً كبيراً. حتماً، هذا ما أرادت المحكمة العسكرية إيصالهُ إلى “جند الشام” وغير تنظيمات ، والدلالة هنا كبيرة وتنفي تماماً النظرية القائلة إن الإقتتال حالياً في مخيم عين الحلوة هو فلسطيني – فلسطيني. بكل بساطة، أرادت الدولة من خلال الحُكم على ياسين التأكيد على أن المعركة التي تُخاض في المخيم هي ضد الإرهاب فعلاً.
الرسالة الثالثة: في العام 2016، تمكّنت قوة من مخابرات الجيش وعبر عملية مُعقدة، من توقيف ياسين داخل حي الطوارئ الذي يبدأ من عند أطراف مخيم عين الحلوة ويصلُ إلى داخله. عملياً، الحي ذاته هو الذي يشهدُ الآن على تمركز مسلحي “جند الشام” و “الشباب المُسلم”، وضمنه يتحصن “تلامذة” ياسين أمثال هيثم ومحمد الشعبي وبلال بدر وغيرهم. بشكلٍ أو بآخر، فإنّ الحُكم على ياسين الآن قد يكون بمثابة تذكيرٍ بعملية دخول “المخابرات” إلى حي الطوارئ، وقد يكون ذلك إشارة إلى التالي: مثلما أوقفنا ياسين في عملية إثر دخول “المخابرات” إلى الحي، يمكننا وبالطريقة نفسها إيقاف أي مطلوب في صفوف “جند الشام” و “الشباب المسلم” وتحديداً المُتهمين باغتيال القيادي في حركة “فتح” أبو أشرف العرموشي. إذاً، من الممكن أن يتكرّر السيناريو الذي حصل مع ياسين عام 2016، لكن هذه المرة سيكون بالتشاور والتعاون مع حركة “فتح” والقوى الفلسطينية الأخرى، ومن الممكن ألا يحصُل هذا الأمر الآن بل لاحقاً.
الرسالة الرابعة: الحُكم الذي صدر يعني أنّ القضاء ينتظرُ المتهمين بقتل العرموشي وذلك رغم الكثير من العراقيل التي تعترض طريق قضايا مُختلفة. بالنسبة للدولة، فإنّ أمر تسليم المطلوبين ضروري جداً لأنه لن يكلفها عملية أمنية يمكن أن تنفذها متى ما أرادت. أما إذا بقيت الجماعات المسلحة على مواقفها، عندها من الممكن أن نشهد على إطباق مفاجئ للدولة داخل المُخيم وعندها ستكون التغيرات الميدانية.
في الخلاصة، يمكن تلخيص المشهدية وفق التالي: الدولة اللبنانية بدأت تهزُّ العصا لجُند الشام، والبداية كانت من أميرها.. ففي حال لم تُبادر تلك الجماعة إلى ما هو مطلوب على صعيد المتورطين، عندها يُمكن القول إنَّ عملية التحجيم والإنهاء ستكونُ قائمة ومستمرة وعلى فترات… ومثلما بدأ من عند صاحبه الأساس، سيستمرّ نحو الآخرين، وحقاً فللنتظر.