خلايا خطيرة.. لماذا قرّر داعش إغتيال وليد جنبلاط؟

1 أكتوبر 2023
خلايا خطيرة.. لماذا قرّر داعش إغتيال وليد جنبلاط؟

لماذا قرَّر “أمير داعش” في مخيَّم عين الحلوة عماد ياسين إغتيالَ وليد جنبلاط وليس غيره؟ سؤالٌ طرحَ نفسهُ كثيراً بعد إصدار المحكمة العسكريّة قبل أيام حُكماً بسجن ياسين مدّة 160 عاماً، والمفارقة أنَّ ما أقرّ به الأخير من اعترافات يمكن أن يكشف عن تهديد كبير يطمحُ “داعش” لتنفيذه في لبنان بأدواتٍ جديدة مُختلفة عن تلك التي كانت سائدة سابقاً.

يُمكن أن يكون اغتيالُ جنبلاط هو “الشَّعرة” التي يمكن أن تقصم ظهر البعير في لبنان، فإستهداف “البيك” سيؤدي إلى “إنتكاسة” سياسية كبيرة، كما أنه سيساهم في ضرب التوازنات في البلد. بشكلٍ أو بآخر، تُعدّ الإطاحة بجنبلاط بمثابة قاعدة أساسية للإنطلاق نحو إستهداف “حزب الله” إذ يُمكن إتهام الأخير بتنفيذ عملية الإغتيال في حال لم ينكشف المُخطط قبل تنفيذه. كذلك، كان من المُمكن إتهام سوريا بالعملية باعتبار أنَّ مواقف جنبلاط كانت نارية ضد دمشق وتحديداً في الأيام التي خطّط ياسين لاغتياله فيها. هنا، يكشفُ المسار القائم النيّة المبيتة لدى الجماعات الإرهابية بفرض فتنةٍ داخلية في لبنان، ومفتاح هذا الأمر يرتبطُ حتماً بإستهداف زعماء أساسيين يُشكلون في هويتهم ومواقفهم صمّام أمان، رغم التناحر السياسي القائم بين الأطراف المُختلفة.
النُّقطة الأبرز والتي يمكن أن تدفع ياسين لاغتيال جنبلاط كانت تتمثلُ في أنّ الأخير لا يهتمُّ كثيراً بـ”المواكب” الفضفاضة. كثيراً ما كان المواطنون يلمحون “زعيم المختارة” بينهم في سيارته لوحده، سواء في بيروت أو حتى خلال إنتقاله من المُختارة إلى كليمنصو عبر الأوتوستراد السّاحلي. الأمرُ هذا يمكن أن يعطي حافزاً لأي مجموعة إرهابية بإستهداف زعيم المختارة من خلال مراقبة حركته ورصدها، علماً أن هذا الأمر نفذه ياسين فعلياً من خلال إستطلاع مكان سكن جنبلاط في كليمنصو عبر تجنيد شخصٍ يُدعى محمد الكوتا.
المُخطط تبدّلقبل توقيفه عام 2016 من قبل مخابرات الجيش ضمن عملية مُعقدة جرى تنفيذها في حي الطوارئ عند تخوم مُخيم عين الحلوة، كان ياسين يسعى لأن يكون “المنفذ الأول” لمُخطط “داعش” في لبنان. حينها، كان التنظيم الإرهابي يتمادى كثيراً في سوريا ولبنان والعراق، وإثر خسارته معاقله الأساسية في سوريا والعراق عام 2019 وانهزامه في لبنان خلال معركة “فجر الجرود” عام 2017، دأب التنظيم على إعادة تشكيل نفسه للإنطلاق مُجدداً عبر مُخطط جديد يتمحور في تشكيل خلايا داخل المخيمات وتقويتها أكثر من السابق. الأمر الأخطر هو أنه لم يعد هناك مسؤولون بارزون وواضحون للتنظيم، وهذا الأمر سيساعدُ في تشكيل “ذئاب منفردة” تستطيع تنفيذ عمليات من دون الإرتباط برأسٍ واحد مُحدد يديرها. هنا، تكمن الإنعطافة الأمنية الخطيرة لاسيما مع إنكشاف الخفايا داخل مخيمات النازحين السوريين سواء على صعيد تخزين السلاح أو احتضان المُسلّحين.
ما يتبين بعد الرصد والمتابعة هو أنّ “داعش” قرر الدخول إلى لبنان مُجدداً من بوابة “ثغرات أمنية” إسمها مخيمات النازحين ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فهناك يستغلُّ الأرضية المواتية له لتشكيل الخلايا التي يديرها من بُعد. إنطلاقاً من ذلك، لا يجب بتاتاً التهاون مع ملف مخيم عين الحلوة المتوتر منذ شهرين بالضبط، فالمعركةُ هناك تكشفُ تماماً عن وجود سعي لتطبيق نفوذ “داعشيّ” داخل المخيم الذي خطط عماد ياسين داخل أروقتهِ لإغتيال جنبلاط وتنفيذ تفجيرات أخرى.
لهذه الأسباب وغيرها، يجبُ النظرُ إلى المُخطّطات عبر الغوص في صميمها، وما يجري حالياً على صعيد إستعادة “داعش” لنفوذه في سوريا قد يكونُ مُمهداً لإطلاق موجة جديدة من الإرهاب عبر أنماطٍ أمنية مُختلفة. فعلياً، التنظيم اليوم لا أرض واضحة يُسيطر عليها، بينما قدرته على التحرك باتت أسهل لأن فروعه ممتدة هنا وهناك، وبالتالي يُصبح من الصعب جداً ضبط عملياته بسهولة أو ضرب مركز القرار فيه مثلما كان يحصل سابقاً سواء في سوريا أو في العراق.
أمام هذه المشهدية، يبقى لزاماً في لبنان إزالة كل “ورمٍ داعشي” فور إكتشافه، فالمسألة خطيرة وليس سهلة أو عابرة. ففي عين الحلوة، هناك مرضٌ يتمثل بجماعات مُسلحة ثبُت أنها ترتبطُ بـ”داعش”، فمن خلالها يمكن أن يتعرض الجيش لإستهدافات وعبرها يمكن أن يتزعزع أمن الجنوب وصيدا وكل لبنان.. عندها، لن يقف المخطط عند حدود الإغتيالات، بل سيتجاوزُ حدوده إلى أبعد من ذلك. لهذا، المعركة القائمة حالياً داخل المخيمات لا يجب أن تنتهي إلا بـ”الحسم”، وإلا فإنَّ سيناريوهات الرعب التي فرضها “داعش” سابقاً مرشحة للتكرار، إما عبر تفجيرات متصاعدة أو عبر إغتيالات أو حتى عبر سيطرة ميدانية، وهناك ستكون الطّامة الكبرى!المحكمة العسكريةوكانت المحكمة العسكرية اصدرت هذا الاسبوع حكماً بالسجن 160 عاماً على أمير «داعش» في مخيم عين الحلوة عماد ياسين، بعدما أقرّ بالتخطيط لتنفيذ عشرات العمليات الإرهابية، من بينها تفجير معملَي الجية والزهراني واغتيال النائب السابق وليد جنبلاط واستهداف سوق النبطية وفنادق في جونية ومبنى قناة «الجديد».
وقال ياسين خلال المحاكمة” ان اغتيال جنبلاط لتغذية الفتنة في لبنان والدفع الى وقوع حرب أهلية، باعتبار جنبلاط من أذكى الشخصيات السياسية”.

المصدر:
لبنان 24