وحده الرئيس التوافقي يستطيع ان يحكم

3 أكتوبر 2023
وحده الرئيس التوافقي يستطيع ان يحكم


نبدأ من حيث انتهينا. هل يستطيع أي رئيس غير توافقي أن يحكم؟ فلبنان كما هو معروف يختلف بديمقراطيته عن سائر دول العالم. فما فيه من تعددية دينية وعقائدية وثقافية وتربوية وطريقة عيش غير موجود في أي بلد آخر، خصوصًا أن مساحة لبنان ضيقة إلى حدّ أن اللبنانيين متجاورون، وإن اختلفوا دينيًا وعقائديًا وثقافيًا. وهذا ما نشهده خاصة في القرى اللبنانية الصغيرة، التي تجمع ما بين أهلها ديانات متعددة، فيعيش المسيحي والمسلم السني أو الشيعي أو الدرزي تحت سقف واحد تقريبًا. فأي قرار يُتخذ للمصلحة العامة يدرج باسم جميع العائلات مجتمعة. حتى أن توزيع المهام البلدية يخضع للتوافق، بحيث تُسند رئاسة البلدية مداورة بين الجميع. فإذا كان “الريس” مسيحيًا يكون المختار مسلمًا. وهكذا يتم تداول السلطة المحلية بتوافق لا يخلو بعض الأحيان من شيء من التشنج والخلافات، التي غالبًا ما تنتهي بـ “تبوييس اللحى”، و”ازرعها بهالدقن”.  

فإذا كانت هذه هي الحال في قرانا المختلطة، فكم بالحري أن يكون عليه الوضع على مستوى الوطن بأكمله. فمنطق أكثرية تحكم وأقلية تعارض لا يمشي في لبنان. ولهذا كان التوافق على اعتماد صيغة “الديمقراطية التوافقية” كبديل عملي ومتوازن لـ “الديمقراطية العددية”، خصوصًا أن هناك مَنْ يستطيع أن يفرض خياراته على الآخرين بما لديه من فائض قوة لن تُستخدم بالطبع لتغيير النمطية السائدة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، وأن التلويح بما سمي بـ “المؤتمر التأسيسي” ليس سوى “بالون اختبار” يعرف المروجّون له أنه غير قابل للحياة. 
 
من هنا فإن الحديث عن “الخيار الثالث” ليس سوى ترجمة عملية لسعي الساعين إلى التفتيش عن الرئيس المحتمل، الذي يستطيع أن يُجمع على شخصه أغلبية اللبنانيين، على مختلف انتماءاتهم السياسية. وهذا الرئيس تُطلق عليه صفة “الرئيس التوافقي”، الذي عليه أن ينتقل لاحقًا إلى مرحلة تحّوله من “رئيس توافقي” إلى “رئيس وفاقي”. وهذه الصفة متى توافرت لها الظروف الموضعية والموضوعية تصبح نهجًا لمسيرة عهد جديد قائم على فرادة التعاون بين الجميع لإنجاح هذه “المهمة المستحيلة”، التي يكون “الرئيس الفدائي” قد أرسى قواعدها من خلال توافق أغلبية اللبنانيين على تسميته.  وانطلاقًا من هذه الواقعية لا يمكن فصل ما يجري على ساحة المساعي الرئاسية عن حتمية تركيب “البازل” الداخلي من خلال بعض التفاهمات، التي لا بدّ منها من أجل الوصول إلى نتيجة مقبولة وقريبة، باعتبار أن استمرار حال المراوحة قد يفضي إلى عواقب غير مرغوب بها، أقّله بالنسبة إلى وصول الدول المنضوية تحت مسمّى “اللجنة الخماسية” إلى الطريق المسدود، الذي يقود حتمًا إلى نتيجة واحدة لا غير.   وفي المحصّلة لا بدّ من مواجهة حقيقة ما يمكن ألا تصل إليه المساعي الخارجية. وفي هذه الحال، أي وصول “اللجنة الخماسية” إلى هذا الطريق المسدود، فإن جميع اللبنانيين من دون استثناء سيوضعون في ميزان واحد، من حيث النتائج السلبية، التي ستنبثق في شكل طبيعي من حال المراوحة القاتلة، التي سيكون لها انعكاسات خطيرة على مستقبل لبنان وعلاقاته الخارجية، خصوصًا إذا قررت الدول، التي لا تزال تريد الخير لهذا البلد المعذّب، أن تقطع علاقاتها الديبلوماسية والاقتصادية به، وأن توقف أي مساعدة له، سواء أكانت على شكل هبات أو ودائع، أو من خلال ما يمكن تقديمه له لكي يقف من جديد على رجليه عبر صندوق النقد الدولي.  وهكذا تتوالى الأيام وتنقضي الشهور، وقد شارفنا على طي صفحة السنة الأولى من الفراغ الرئاسي، من دون التوصّل إلى ما يشي بقرب الانفراج الرئاسي.