يكثر الحديث هذه الأيام عن “الخيار الثالث” على المستوى الرئاسي، بوصفه نقطة تقاطع “خارجية” بالدرجة الأولى بين الدول الخمس المعنيّة بالشأن اللبناني، خصوصًا مع انضمام باريس إلى شركائها في “الخماسية” بالدعوة إلى اعتماده، وتخلّيها بالتالي عن أفكارها السابقة القائمة على “المقايضة”، ولكن نقطة تقاطع “داخلية” أيضًا، في ظلّ توافق “ضمني” على صعوبة “فرض” أيّ فريق لمرشحه على المعسكر الآخر، مهما طال الزمن.
Advertisement
وقد يكون “التيار الوطني الحر” من أول “المروّجين” للخيار الثالث على المستوى الداخلي، وهو الذي يحاول تصنيف نفسه “وسطيًا” بين المعسكرين، من خلال تمسّكه باستكمال حواره مع “حزب الله” رغم كلّ العقبات والصعوبات، وفي الوقت نفسه بتقاطعه مع المعارضة على خيار ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ولا يتوانى عن دعوة الفريقين إلى “التفاهم” على “حلّ وسط”، مع إصراره على أن يكون “ممرًا إلزاميًا” للوصول إلى مثل هذا الحلّ.
لكن، إذا كان صحيحًا أنّ “التيار الوطني الحر” من داعمي “الخيار الثالث” رئاسيًا، فإنّ الأصح أنّ “مفهومه” للخيار الثالث قد لا يتقاطع بالمُطلَق مع مفهوم الآخرين له، ولا سيما أنّ “الخيار الثالث” بالنسبة لكثيرين لا يمهّد سوى لتحضير الأرضية للتفاهم على ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، في حين أنّ الأخير كما بات معروفًا هو أكثر الأسماء “استفزازًا” لباسيل، ما يدفع إلى التساؤل: أيّ “خيار ثالث” يريد باسيل، وما هي مقاربته للخيار الثالث؟!
لا فرنجية ولا عون
عند الحديث عن “الخيار الثالث” على المستوى الرئاسي، يميل أغلب المراقبين إلى الاعتقاد أنّ المقصود به هو التفاهم على مرشح من خارج الاسمين المُعلَنيْن من جانب معسكري “حزب الله” وخصومه في الوقت الحالي، أي من خارج دائرة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ومنافسه وزير المال الأسبق جهاد أزعور، بعدما أثبتت الوقائع والمعطيات صعوبة وصولهما إلى قصر بعبدا، في ظلّ “الفيتو” المرفوع في وجه كل منهما من قبل الطرف الآخر.
وإذا كانت المعارضة “تتحفّظ” في الشكل على هذا التفسير، باعتبار أنّ بعض مكوّناتها ترى أنّ أزعور هو “خيار ثالث” أصلاً، لأنّ مرشح المعارضة الأول كان النائب ميشال معوض، وأنّها انتقلت إلى ترشيح أزعور في إطار البحث عن “خيار ثالث”، فإنّ “التيار الوطني الحر” يبدو أكثر تصلّبًا، إذ تقول أوساطه إنّ المعادلة ليست “لا فرنجية ولا معوض”، ولا هي “لا فرنجية ولا أزعور”، بل “لا فرنجية ولا عون”، في إشارة إلى قائد الجيش.
بالنسبة إلى أوساط “التيار الوطني الحر”، فإنّ عون هو المرشح الجدّي لخصوم “حزب الله”، ولو لم يكن مُعلَنًا، وهي تشير إلى أنّ “التسوية” تتطلب البحث عن خيار ثالث، بعيدًا عن فرنجية وعن عون تحديدًا، ولا سيما أنّ الأخير مثله مثل فرنجية، لا يلقى “الإجماع” الذي تحتاجه التسوية، بفعل “الفيتو” الذي يرفعه باسيل في وجهه، في حين أن المطلوب في الوقت الحالي هو البحث عن اسم “في الوسط” يرضي الجميع، ولا يلقى أيّ اعتراض.
“الخيار الثالث” لباسيل
خلافًا لرأي “التيار الوطني الحر” المتشدّد ربما، من وجهة نظر نسبيّة، يرى كثيرون أنّ أسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون قد تكون “مرتفعة جدًا”، فهو لا يلقى الاعتراض إلا من “التيار”، إذ يصنّفه كثيرون على أنّه مرشح “الخماسية” غير المُعلَن حتى الآن، ربما بانتظار نضوج الظروف المناسبة لانتخابه، ولا تخفي المعارضة في المقابل “حماستها” له، حتى إنّ “الثنائي الشيعي” لا يبدو ممانعًا لانتخابه، إذا ما خرج فرنجية طوعًا من السباق الرئاسي.
وحده “التيار الوطني الحر” يقف في وجه هذا التوجّه بالمُطلَق، وهو لذلك “يصوّب بالمباشر” على قائد الجيش، ربما لأنّه “يستشعر” خطر “التسوية” التي قد تأتي على حسابه، وفق ما يقول العارفون، علمًا أنّ أوساطه تشدّد على رفض خيار قائد الجيش لأسباب عدّة، منها ما هو مرتبط بـ”عدم دستوريته” وفق ما يقولون، وحاجته إلى تعديل دستوري، ومنها ما هو مرتبط بـ”تحفّظات” لديهم على القائد، يربطها الكثيرون بالخوف من الحيثية والشعبيّة.
يدفع ما تقدّم كثيرين إلى التساؤل عن طبيعة “الخيار الثالث” الذي يبحث عنه باسيل عمليًا، إذا ما كان “يشطب” سلفًا اسم قائد الجيش، وقبله فرنجية، وبينهما معوض وأزعور، الذي يقتنع كثيرون أن “تقاطعه” مع المعارضة عليه لم يكن جدّيًا في أيّ لحظة، إلا أنّ أوساط “التيار” ترفض “حصر” الخيارات بهذا الشكل، وتؤكد وجود الكثير من الأسماء التي يمكن التوافق عليها، والتي قد تشكّل نقطة “وصل” بين المعسكرين المتخاصمين.
“لا فرنجية ولا عون”. قد تكون هذه المعادلة “الجوهرية” بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، بل هي “كلمة السرّ” الموازية لـ”الخيار الثالث” الذي يدعو إليه منذ فتح “البازار الرئاسي”. فما يريده باسيل هو “قطع الطريق” على كل من فرنجية وعون، قبل البحث والنقاش بأيّ خيارات أخرى، وأقصى ما يخشاه هو أن “يُخيَّر بينهما” في سيناريو “افتراضي” يهرب منه، ولو كان كثيرون يعتقدون أنّه سيأتي عاجلاً أم آجلاً!