حزب الله في موقف لا يُحسد عليه

8 أكتوبر 2023
حزب الله في موقف لا يُحسد عليه

منذ أن بدا العمل الجهادي في فلسطين ضد العدو الإسرائيلي لم يسبق أن شهد هذا العمل تطورًا بحجم عملية “طوفان الأقصى”، التي هاجمت فيها كتائب “القسام” أكثر من مستوطنة إسرائيلية، في عملية لا يمكن وصفها إلاّ بأنها نوعية وجريئة، ولكنها تنذر في الوقت نفسه بتطورات كبيرة لن تقتصر مفاعيلها على الداخل الفلسطيني المحتل، حيث من المتوقع، بحسب خبراء استراتيجيين، بأن يحرق جيش العدو قطاع غزة. وهذا ما تعرفه حركة “حماس” وما كانت تتوقعه قبل تنفيذ عملية “الطوفان”، وهي على ما يبدو مستعدة لكل الاحتمالات. فالعودة إلى الوراء ليست واردة لا في الحسابات الفلسطينية ولا في الحسابات الإسرائيلية. 

 
فما بعد عملية “طوفان الأقصى” لن يكون كما قبلها. فالحرب الشاملة قد بدأت ومن دون هوادة. ومع هذا التطورات المتسارعة، والتي سترتفع وتيرتها بعد أن يكون الإسرائيليون قد استفاقوا من هول الصدمة، لن يكون هناك مجال لأي تراجع. وهذا الأمر ينذر بعواقب وخيمة لن تنجح معها الدعوات لتهدئة الوضع ولضبط النفس.  
 
فما حصل يعتبره الفلسطينيون انتصارًا ما بعده انتصار، فيما يصفه الإسرائيليون بأنه بداية لحرب شاملة. والحرب الشاملة بالمفهوم العسكري الإسرائيلي لن تقتصر مفاعليه على قطاع غزة، بل يشمل سوريا وما فيها من مواقع إيرانية استراتيجية، الأمر الذي سيحرّك أكثر من جبهة في وقت واحد، من دون أن يعني ذلك أن جبهة الجنوب ستشهد أي تطور دراماتيكي إلاّ إذا قرّر “حزب الله” فتح هذه الجبهة لمساندة معركة “حماس الداخلية” انطلاقًا من مبدأ “توحيد الساحات”، لكن لا قرار حتى الآن من قبل القيادة الحزبية بفتح هذه الجبهة، لأن لدى الحزب حسابات دقيقة ومفصلية، وهو لن ينجرّ، على ما يبدو، إلى أي حرب أو معركة إذا لم تكن مضمونة النتائج سلفًا، وهو يعرف تمام المعرفة أن الردّ الإسرائيلي سيكون قاسيًا جدًّا. وهذا ما بدا واضحًا من خلال التصريحات التي أعقبت العملية. 
 
وعندما يقول رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية بأن “طوفان الأقصى” بدأ من غزة وسوف يمتد إلى الضفة الغربية والخارج، فهو يقصد بالخارج بطبيعة الحال لبنان، ولكن هذا “الخارج” وعلى رغم تضامنه الكامل مع هذه العملية البطولية في الداخل الفلسطيني، لن ينجرّ إلى حرب واسعة وشاملة إلاّ إذا كانت هذه العملية منسّق توقيتها وحجمها مع القيادات العسكرية في إيران والضاحية الجنوبية. 
 
وفي الحالتين فإن ما سيقدم عليه “حزب الله” سُيحسب له وعليه. فإذا تضامن مع أهل غزة من خلال الجبهة الجنوبية فإنه يكون كمن يعطي العدو ذريعة لشن حرب واسعة ضد لبنان كله، وليس في الجنوب فقط. وهذا ما كان يرّوج له الجنرالات الإسرائيليون. 
 
أمّا إذا لم يمدّ الحزب الداخل الفلسطيني بما يتناسب مع حجم هذه العملية وتطوراتها، وإذا تهيّب الموقف وضرب الأخماس اللبنانية بأسداسها، ولم يقدم على أي عمل في العمق الجنوبي فإنه يكون كمن يغامر بما رسّخه في الوجدان الفلسطيني على مدى سنوات، ويكون كمن يهزّ صدقيته أمام العنفوان الفلسطيني. 
 
من هنا فإن أي خطوة سيقدم عليها “حزب الله” ستكون مدروسة ليس مئة في المئة بل مليون في المئة، لأن أي هفوة في هذا الظرف المصيري قد تكون نتائجها كارثية. لذلك فهو لن يقدم على أي عمل غير مدروس، وقبل أن يجري سلسلة من الاتصالات الخارجية والداخلية. وإذا أراد أن تكون له مشاركة معينة فهي سيكون على الأرجح مساندةً لأي عمل من الداخل الفلسطيني تمامًا كما كانت له مساهمات في العمق السوري. 
 
صحيح أن “حزب الله” سجّل في حرب تموز انتصارًا على إسرائيل، وإن معنويًا، كما يقول البعض. لكن هذه الحرب كلّفت لبنان كثيرًا من عافيته واقتصاده وبناه التحتية. وهذا ما يحسب له الحزب حسابًا في معادلة الربح والخسارة. 
 
ويسأل السائلون: هل بدأ فعلًا مخطط التقزيم والتصفية كخطوة تمهيدية لمشروع أوسع وأشمل؟