أوراقٌ كثيرة خُلِطت بعد عملية “طوفان الأقصى”الفلسطينية التي كسرت هيبة إسرائيل الأمنيّة وأدت إلى تآكل قوة الردع لديها.حالياً، باتت تل أبيب تحسبُ ألف حسابٍ لأي خطوةٍ يمكن تتخذها على الجانب العسكري رغم أنها صادقت على بند الحرب يوم أمس لأول مرّة منذ 50 عاماً.
الآن، ما تخشاهُ إسرائيل هو “إنجراف” الطوفان نحو مناطق فلسطينية محتلة أخرى، وهي تعتبرُ أنّ مهمتها تنحصر اليوم في إطارين: الأول وهو “ضبط” قطاع غزة الذي من خلاله تدفقت “سيول” المسلحين الفلسطينيين نحو المستوطنات الإسرائيلية خلال العملية الضخمة، فيما الثاني يرتبطُ بتطويق الأحداث الطارئة التي شهدتها الحدود مع لبنان يوم أمس عقب إستهداف “حزب الله” مواقع إسرائيلية بصواريخ موجّهة، وبالتالي عدم فتح جبهةٍ جديدة هناك باعتبار أنّ عواقب ذلك ستكونُ وخيمة جداً.ماذا سيحدث؟السؤال الأكثر طرحاً حالياً على الساحة هو التالي: ماذا سيحدُث؟ هل ستتدحرج الأمور إلى حرب واسعة ويدخل لبنان في صميمها؟ الإجابة هنا يمكن أن تلخصها بعض المعطيات والملاحظات التي قد تقدم نظرة لما قد تؤول إليه الأحداث.ميدانياً، طلبت إسرائيل يوم أمس إخلاء المستوطنات القريبة من لبنان ونشر جنود جيش العدو فيها. كذلك، تم الطلب من سكان المستوطنات في الجبهة الشمالية التسلُّح والإستعداد لأي مواجهة مُحتملة. عملياً، الإجراءات هذه قد تكون إحترازية وليست بالضرورة إعلاناً لحدوث معركة مع لبنان، وقد يكون سبب اعتمادها مرتبطاً بأمرين: الأول وهو نية إسرائيل حماية الجبهات المتقدمة عند الحدود مع لبنان وإبعاد المدنيين عنها كي لا يتكرّر سيناريو إقتحام غلاف غزة الذي شهد على خطف مستوطنين وجنود إسرائيليين. هنا، تريد تل أبيب أن تجعل الجبهة الشمالية خالية من السكان قدر الإمكان كي لا يتمكن “حزب الله” في حال قرر التوغّل إلى الداخل الفلسطيني، من إقتياد رهائن ومستوطنين كما فعلت “حماس” في مستوطنات غلاف غزة. الأمر الثاني الذي دفع إسرائيل لرفع حالة التأهب في المستوطنات المحاذية للبنان يرتبطُ بعنصر “الثقة”، فالسلطات الأمنية هناك تسعى لطمأنة المستوطنين بأنها تحركت فوراً لأجلهم عند الحدود مع لبنان، وبالتالي ضمنت الحماية لهم قبل حصول أي طارئ وذلك منعاً لوقوع أي سيناريوهات مماثلة لعملية “طوفان الأقصى”.المفارقة الأكثر تأثيراً هنا هي أنّ إسرائيل ليست قادرة على إستدراج لبنان نحو حرب باعتبار أنّ جبهتها الداخلية منشغلة بغزّة وبتطويق ذيول العملية الأخيرة. على ما يبدو، فإنّ تل أبيب ترغب الآن في تجنيب المستوطنات من المسلحين المنتشرين داخلها، وبالتالي لن يكون باستطاعتها جذب مسلحين جُدد إليها من جنوب لبنان، لأن المسألة ستُصبح معقدة أكثر. إضافة إلى ذلك، لن يكون بمقدور إسرائيل أيضاً إعتماد نمط واحدٍ من الحرب على جبهتين، فالأمرُ لم يعد محصوراً بإطلاق صواريخ فحسب من منطقتين باتجاه المستوطنات، بل ارتبط بعمليات اقتحام. هنا، سيرى الجيش الإسرائيلي نفسهُ أمام عملية استنزافٍ عنوانها عدم قدرة القبة الحديدية على صد الصواريخ من الجنوب وغزة، كما أنه سيرى نفسه غير قادرٍ على إستيعاب أي توغل جديد يمكن أن يُربك خطوط الدفاع العسكرية ويساهم في الإستيلاء على منصات القبة الحديدية نفسها.لهذه الأسباب وغيرها، تجدُ إسرائيل نفسها في مأزقٍ كبير، ولهذا السبب آثرت يوم أمس الرد على عملية “حزب الله” بقصف المناطق المفتوحة حفظاً لماء الوجه. وكما ظهر، فإنّ تل أبيب لم تعتبر إستهداف الحزب للمواقع العسكرية في المناطق اللبنانية المُحتلة بمثابة إستهدافٍ مباشر للداخل الإسرائيلي، ولهذا السبب اضطرت لـ”حصر الرد” وإبلاغ قوات “اليونيفيل” بأنها لا تريد التصعيد مع لبنان. في خلاصة القول، يتضحُ تماماً أنّ المعادلات الميدانية بدأت تتغيّر، وما شهدته إسرائيل خلال اليومين الماضيين كان كفيلاً بكسرِ قوتها العسكرية على أكثر من صعيد. ففي السنوات الماضية، خسرت إسرائيلُ معارك في لبنان ومُنيت بخسائر على أرضه، أما اليوم فهي تلقت الصفعة داخل أراضٍ تحتلها وتسيطر عليها أمنياً.. وحقاً، هنا النكسة والنكبة التي فرضت نفسها بقوة وعلى أعين العالم.