ما يجري في الجنوب مضبوط بقواعد معادلة توازن الرعب

12 أكتوبر 2023
ما يجري في الجنوب مضبوط بقواعد معادلة توازن الرعب

 
من حيث المبدأ فإن هذا البيان بتوقيته وظروفه يشبه كثيرًا البيانات التي كان “حزب الله” يصدرها عندما كانت مواقعه في الجنوب تتعرّض لأي اعتداء. فلم يأتِ مثلًا على ذكر ما تتعرّض له غزة من اعتداءات وحشية تطال المدنيين من أطفال ونساء وعجّز. فهل هذا يعني أن الحزب يحصر همّه فقط بما يقدّمه من دعم مادي ومعنوي لحركة “حماس”. ويُقال إن عناصر الحركة لم يكن في استطاعتهم الفلاح في عملية “الطوفان” لو لم تكن فيها بصمات واضحة لما لـ “حزب الله” من خبرات قتالية اكتسبها على مدى سنوات، سواء في مقاتلة العدو الإسرائيلي في الجنوب، وبالأخص في حرب تموز، وكذلك من خلال معاركه الفاصلة في الداخل السوري؟ فهل قرّر “حزب الله”، بعد طول تفكير ومشاورات خارجية وداخلية، أن يحيّد الجنوب عمّا يحدث في غزة، وهل أن قواعد الاشتباك مع العدو لا تزال قائمة من خلال “لعبة توازن الرعب”، التي يتقنها جيدًا طرفا الصراع، وهما يعرفان حدودها وقواعدها، وهل يمكن الركون إلى أن المنطقة الجنوبية لن تشهد معركة دموية أو حربًا مشابهة لحرب تموز، وهل في استطاعة إسرائيل أن تحارب على أكثر من جبهة في وقت واحد، وهل أن الحزب سيبقى ملتزمًا قواعد اللعبة حتى ولو قرّر العدو اقتحام غزة برًّا؟ 
 
كل هذه الأسئلة هي برسم جميع الذين يتحرّكون ديبلوماسيًا على أكثر من خطّ، خصوصًا أن بعض المحللين ذهبوا في تحليلاتهم بعيدًا عندما لم يستبعدوا أن يكون بيان “حزب الله” الهادئ نسبيًا مكتوبًا بحبر إيراني، خصوصًا أن إيران تكتفي حتى الآن بإدانة كلامية للاعتداءات الاسرائيلية على قطاع غزة، وهو أقّل الايمان، على رغم تهديدها بإمكانية تدّخلها عسكريًا إذا اقتضى الأمر ذلك، لكننا لم نشهد أي تحرك لبارجاتها كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية مثلًا. ويسأل سائلون: هل من مصلحة إيران أن تتدّخل عسكريًا في حرب قد تعيد عقارب ساعة المفاوضات بينها وبين أميركا إلى الوراء، وهل هي مستعدة لأن تتخلى عمّا حققته من خلال هذه المفاوضات، وهل هي قادرة على الانخراط في “حرب تغيير وجه الشرق الأوسط”؟ 
 
الجواب عن كل هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل، بل يُترك للأيام الآتية، التي قد تحمل الكثير من المفاجآت على أكثر من صعيد، سياسيًا وميدانيًا، وقد يكون لصمود الفلسطينيين في القطاع دور في كسر قواعد اللعبة، وفي إعادة إحياء مشروع الدولتين، بعد أن تقتنع إسرائيل بأن الحل الدموي لن يؤدي إلا إلى المزيد من إراقة الدماء وتعقيد الأمور أكثر فأكثر.