حتى الآن، لا يزال سيناريو الحرب “افتراضيًا”، ولو أنّ احتمالاته ارتفعت في ضوء أحداث الأيام الأخيرة، التي وصل فيها التوتر في جنوب لبنان إلى “الذروة”، سواء من خلال الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة للسيادة اللبنانية، أو من خلال العمليات التي تبنّاها “حزب الله” ردًا على اعتداءات العدوّ، وتلك التي أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية مسؤوليتها عنها، ما أدخل البلاد عمليًا في قلب معركة “طوفان القدس” غير المسبوقة.
ولعلّ ما يعزّز من المخاوف من هذا السيناريو، ولو بقي “افتراضيًا”، يتمثّل في “الاستنفار الإسرائيلي” غير المسبوق، الذي وصل لحدّ “اشتباه” الإعلام الإسرائيلي، ومعه أجهزة العدو الأمنية، بأحداث أمنية، قد لا تكون حدثت بالضرورة، ليُطلَب على وجه السرعة من الجميع الدخول إلى الملاجئ “فورًا”، على وقع إشاعات عن تسلّل مقاتلين تارة، أو اجتياز طائرات للحدود تارةً أخرى، ما يعكس حالة التوتر التي يعيشها منذ صباح السبت الماضي.
يُضاف إلى “الاستنفار” الإسرائيلي، ما يُحكى عن “تأهّب” أمني على أكثر من مستوى، ولا سيما مع الدعم الأميركي السخيّ للإسرائيليين، والمساعدات العسكرية التي أعلنت واشنطن تقديمها إلى تل أبيب، وبينها حاملة طائرات ذات قدرات فائقة، وهو ما يجعل السؤال أكثر من مشروع: فماذا لو تحوّل السيناريو “الافتراضي” إلى واقع، ووقعت الحرب فعليًا؟ كيف سيتصدّى اللبنانيون لها، وهل يكونون على وقفة رجل واحد؟!
سيناريو “افتراضي”
يقول العارفون إنّ كل المعطيات المتوافرة تؤكد أنّ سيناريو الحرب “افتراضي” بكل ما للكلمة من معنى، وإنّ كلّ المؤشرات لغاية الساعة لا توحي بإمكانية تحوّله إلى أمر واقع في وقت قريب، رغم الحوادث الحدودية المتكرّرة بوتيرة شبه يومية منذ صباح الأحد الماضي، ورغم رفع الأسقف من جانب كلّ الأطراف، ورغم ما حصل من خروقات للقرار الدولي 1701، ولقواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام 2006.
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ سيناريو “الحرب” ليس في مصلحة أيّ من الأطراف المعنيّة، ولو جاهر البعض بالاستعداد لخوض المواجهة العسكرية في أيّ لحظة، ومهما كان الثمن، فآخر ما يريده العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى، هو أن يغرق في “مستنقع” لبنان في الوقت الحالي، وهو العاجز حتى الآن عن “استيعاب” صدمة غزة، علمًا أنّ “التوتر” الذي يعيشه ما عاد خافيًا على أحد، ويدلّ على مستوى غير مسبوق من الارتباك في صفوفه.
ورغم اختلاف الظروف والمعطيات، فإنّ “حزب الله” الجاهز للحرب متى فُرِضت عليه كما يقول، والمؤمن بأنه جزء مع معركة “طوفان الأقصى”، قد لا يجد مصلحة في الدخول في “حرب” بأتمّ معنى الكلمة، للكثير من الأسباب والارتباطات المرتبطة بالواقع اللبناني بصورة مبدئية، من دون أن يعني ذلك عدم مضيّه بسياسة “المواجهة المحدودة والمضبوطة” التي تجدي في “إلهاء” الإسرائيلي عن حربه الوحشيّة ضد غزة.
ماذا لو حصل؟
استنادًا إلى ما تقدّم، يبقى سيناريو الحرب على الجبهة اللبنانية “افتراضيًا” إذًا، من دون أن يكون “مستحيلاً” بالضرورة، فاحتمالات انزلاق “المواجهة المحدودة والمضبوطة” إلى “حرب” يبقى احتمالاً واردًا، ولو أراد الجميع تجنّبه، كما أنّ هناك من يعتقد أنّ “حزب الله” لن يقف مكتوف الأيدي إذا ما واصل الإسرائيلي اعتداءاته على السيادة اللبنانية، وإذا ما تمادى في حربه على غزة، وصولاً إلى حدّ الذهاب إلى “اجتياح برّي” كما يهدّد مسؤولوه.
من هنا، فإنّ السؤال “الافتراضي” أيضًا عن الموقف اللبناني في حال وقوع الحرب يصبح ضروريًا، خصوصًا في ظلّ الأزمات “المتفاقمة” التي يمرّ بها البلد، والتي يفاقمها توتر سياسي، يتجلّى بعدم وجود “رأس” للدولة، في ضوء استمرار الشغور الرئاسي منذ نحو عام، كما يغذّيها انقسام حتى إزاء التوتر الحاليّ، في ظل غياب الإجماع حول الدور الذي يلعبه “حزب الله”، والذي يذهب البعض لحدّ وصفه بـ”المغامرة غير المحسوبة”.
صحيح أنّ الجواب “الافتراضي” على مثل هذا السؤال قد يكون “مثاليًا”، على طريقة أنّ الموقف اللبناني لا يمكن أن يكون موحّدًا في حال حصول الحرب، بمعزل عن كل الانقسامات والاختلافات، وأنّ جميع اللبنانيين سيقفون صفًا واحدًا للتصدّي للحرب متى اندلعت، جنبًا إلى جنب “حزب الله”، كما حصل سابقًا في حرب تموز، لكنّ المشكلة أنّ مثل هذا الموقف لا يكفي، والمطلوب “تحصينه” على المستوى السياسي قبل “ساعة الصفر”.
لعلّ ما يمكن أن يكون “مُطمئنًا” وسط فوضى التحليلات والاستنتاجات، وربما التكهنات، هو أنّ سيناريو الحرب يبقى “افتراضيًا” حتى إثبات العكس، وأن احتمالات عدم حصوله أكبر بكثير من احتمالات وقوعه. لكنّ ذلك لا يعفي اللبنانيين من “مسؤولية” التحضير لـ”خطة طوارئ” لمواجهة “المحظور”، فهل مثل هذه الخطة الجاهزة، وهل “الوحدة” التي تتطلبها متوافرة؟ لعلّ الإجابة على هذا السؤال تشكّل “جرس إنذار” لا بد من قرعه!