في الحقيقة لم نعد نعرف ماذا يريد “التيار الوطني الحر”. يطالب بالشيء ويعمل نقيضه. يدعو الحكومة إلى لعب دورها في مسألتي النزوح السوري الجديد والقديم والوضع الدقيق في الجنوب على وقع ما تتعرّض له غزة من عدوان غير مسبوق، وما يمكن أن يعكسه تطور العمليات على المستقبلين القريب والبعيد على اللبنانيين، الذين يعانون في الأساس الأمرّين نتيجة التخبّط السياسي المنغمسين به بفعل غياب رأس الدولة، التي لا تستقيم فيها أمورها مع استمرار غيابه أو تغييب دوره المهم والأساسي في تركيبة هرمية السلطات، التي يجب أن تكون وفق الدستور منفصلة ومتعاونة في الوقت ذاته.
Advertisement
يطالب رئيس “التيار” النائب جبران باسيل الحكومة بالعمل ، في الوقت الذي يوعز فيه إلى وزرائه بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء، مناقصا نفسه بنفسه، وهو يمارس هذه الازدواجية التي لا تركب على “قوس قزح”، ولا يمكن فهمها إلا من خلال الامعان التفنّني في عمليات النكد السياسي.
فإذا لم يرَ النائب باسيل موجبًا لعقد مجلس الوزراء جلسة طارئة في هذه الظروف الخطيرة، التي يمرّ فيها الوطن في أصعب مرحلة من مراحل تاريخه الحديث، فمتى يرى موجبًا لذلك، ومتى يقتنع بأن تقديم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة هي من بين الأخطاء الكبيرة، التي تُرتكب في حق الوطن، وفي حق الأجيال الطالعة، التي تحلم بوطن لا يكون فيه الانسان غريبًا في بيئته وعن بيئته.
غريب أمر هؤلاء الوزراء الذين يتباهون بأنهم يقاطعون الجلسات الحكومية، ولكنهم في الوقت نفسه يشاركون في الاجتماعات، التي تُعقد في السرايا الحكومية، وفي لقاءات ثنائية مع رئيسها. يتهمون الحكومة بالتقصير حيال موجة النزوح السوري الثاني، ولكنهم غابوا عن أول جلسة دعيت إليها الحكومة للبحث الجدّي في تداعيات هذا النزوح، الذي يشكّل خطرًا وجودًيا على مستقبل لبنان، فتعطّل النصاب، وبقيت المشكلة قائمة حتى أول من أمس، حيث غاب الوزراء أنفسهم لكن الجلسة بقيت قائمة “فيهم وبلاهم”.
كان حري على “التيار” أن يحضر الجلسة عبر وزرائه، ويقول لقائد الجيش العماد جوزاف عون بوجهه ما يقوله في ظهره، وما يتهم الجيش به، حتى وصل الأمر به إلى اتهام عدد من ضباطه بقبض أموال من أجل تسهيل تمرير السوريين الى لبنان، في حين ان الجيش يقوم بكل واجباته في هذا الظرف الصعب للحفاظ على الاستقرار في لبنان في ظل انقسام حول موضوع الدخول في حرب مع العدو الاسرائيلي.
وعلى رغم مقاطعة “وزراء الازدواجية” أهم جلسة حكومية، التي “كنا نأمل أن يلبي جميع الوزراء النداء الذي وجهناه، وأن يعوا دقة المرحلة التي يمر بها لبنان، وأن ينضموا الى مجلس الوزراء لمقاربة الموضوعات الملحة بمسؤولية وطنية”، كما قال الرئيس نجيب ميقاتي على أثر الجلسة.وأضاف: “إن المقاطعة لا تجدي، ومن الضروري أن نصارح الناس بأن القرارات التي اتخذناها ، وهي ليست سرية واطلعتم عليها جميعكم، كما والمراسيم التي بلغ عددها 1299 مرسوما لا تتعلق لا بفئة او بجهة محددة ، بل تتعلق بقضايا على تماس مع مطالب الناس وحاجاتهم الملحة واليومية، وكل ما من شأنه استمرارية الدولة ومرافقها. وإذا كان البعض اتخذ المقاطعة كموقف سياسي في البداية، للضغط لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فان الحكومة ليست الجهة المعنية بأي خطوة في هذا الملف، والمقاطعة لم تعد مجدية، بدليل أن الاحداث تجاوزتها وباتت تفرض رص الصفوف والتعاون لتجاوز الصعوبات الحالية والداهمة ومواجهة التحديات الراهنة.وتساءل الرئيس ميقاتي: “إلى متى المكابرة من غير طائل ودون فائدة والمركب مهدد بالغرق في كل يوم وكل لحظة، لذلك اجدد الدعوة والنداء فلنتعالى عن الخلافات في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها وطننا ولنتعاون جميعنا ونرص الصفوف لتجنب الصعاب التي نمر بها. والمطلوب اولا كمدخل للحل الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ليكتمل عقد المؤسسات الدستورية في هذه المرحلة المفصلية”.
كلام مسؤول كان لا بدّ من أن يُقال لأن البلد يقف على فوهة بركان لا يعرف أحد متى يثور. وإذا ما ثار فستشمل حممه الجميع بمن فيهم “التيار الوطني”، ولن يسلم أحد مما قد يسبّبه من أضرار جسيمة.